أسرانا... عمر نوح وصبر أيوب!...

لم يطلق سراح الأسير «محمد نعيرات،أبو رفعت» عضو الجبهة الشعبية إلا بعد أن شارف على الهلاك وقد أصيب بالزهايمر وما لبث أن توفي قبل مدة علما بأنه قضى في الأسر 23 سنة من عمره...أما الأسير « أحمد جبارة،أبو السكر » من حركة فتح فلم ينل حريته إلا بعد 28 سنة خلف قضبان السجون الصهيونية...فيما ينتظر الأسير « سعيد العتبة » من الجبهة الديموقراطية الفرج علما بأنه قضى أكثر من ثلاثة عقود أي ثلاثين سنة في الأسر حيث اعتقل عام 1977م،وهناك أسرى لحركتي حماس والجهاد الإسلامي معتقلون منذ بواكير الانتفاضة الأولى وينتظرون الفرج مثل « يحيى السنوار» و « نضال زلوم » ...وهناك في السجون الصهيونية 73 أسيرا مضى على اعتقالهم 20 سنة فأكثر،بحسب إحصائية صدرت عن نادي الأسير!

نلاحظ أن الأسرى لا سيما من ذوي الأحكام العالية يشملون كل الخريطة السياسية الفلسطينية ؛من اليمين واليسار ومن التيار الإسلامي والتيار الوطني ،جمعهم قيد الأسر مثلما جمعهم الجهاد والنضال والمقاومة ،فهذا ملف يجمع كل ألوان الطيف الفلسطيني ومسئولية تحرير الأسرى تقع على عاتق الجميع.

نقول للأسرى:اصبروا فلم يتبق لكم إلا القليل...! ولا أدري ما المقصود بكلمة « القليل » هنا في عمر الإنسان والأسير الفلسطيني؟فكلنا يعرف أن عُمر الإنسان في عصرنا ليس كعمر سيدنا نوح عليه السلام الذي قضى في الدعوة ألف سنة إلا خمسين أي يفترض أنه عاش حوالي ألف عام،فأعمار أمة محمد عليه الصلاة والسلام بين الستين والسبعين،ومتوسط الأعمار لكل الناس في عصرنا هو في هذه الحدود...ولا أظن نموذج نوح –طول عمره-يتكرر مع سعيد العتبة أو أي أسير أو أي إنسان في الكون...فما المقصود بدعوة الأسرى للصبر لأنه لم يبق إلا القليل؟!أظن لم يبق إلا القليل من العمر وما بقي من العمر ممزوج بمجموعة أمراض مزمنة مع فقدان الأحبة من آباء وأمهات يتوفون أثناء أسر أبنائهم وشعور بالغربة حيث أن جيلا جديدا ولد وكبر خلال فترة أسر المعتقلين عقدين أو ثلاثة أو...طبعا هذا لو افترضنا أنه سيطلق سراح الأسرى القدامى اليوم وفورا.

الاحتلال يحكم على بعض الأسرى بالسجن 800 أو 1400 سنة وهو بهذا يريد تحطيم نفسيات هؤلاء،وردع غيرهم عن الانخراط في صفوف المقاومة خاصة الجانب المسلح لها،وأيضا ومثلما هي عادتهم منذ القرون البعيدة يسعون للتطاول على الله جل وعلا وسبحانه وتعالى عما يصفون ،فهم يعلمون أن ما إنسان له عمر نوح ليعيش ولو جزءا من المدة المحكوم بها.

ورغم أنه ليس لأسرانا عمر نوح ،إلا أن الله أعطاهم صبرا كصبر أيوب عليه السلام،فهم يتجرعون مرارة الأسر والقيد ،ولكن نفسياتهم لم تتحطم،وهممهم لا تزال عالية،ولسان حالهم يردد:-

مسّ أسرانا الضّر،وقد طال ونسأل الله الرحمة لهم وأن يعجل لهم بالفرج...لكن هذا لا يتأتى دون عمل وسعي،خاصة فيما يخص الأسرى من ذوي الأحكام المرتفعة والمصنفين من فئة « الملطخة أيديهم بالدم اليهودي » وكأن هذا الدم من لون ومواصفات خاصة تستوجب التقديس ،فأصحابها لم يحتلوا الأرض ولم ينتهكوا العرض ولم يقتلوا من ذوي قاتليهم إلا عشرة أضعاف من قتل منهم فقط لا غير!

ولكن أصحاب هذا الدم الذي يزعم أصحابه أن له قداسة ،أطلقوا بعد أوسلو سراح معتقلين قاموا بقتل من تعاونوا (عملاء) مع ذوي الدماء التي يرى أصحابها أن لها قداسة وتميزا!

الطريق لإخلاء سبيل الأسرى واضح لا اعوجاج فيه؛فكل الاتفاقيات والتفاهمات ومبادرات حسن النوايا لم تطلق سراح عدد يذكر من ذوي الأحكام العالية،واللفتات الأولمرتية الكريمة والسخية جدا والتي توقفت بعدما كادت أن تبدأ ،أطلق بموجبها مجموعة من الأسرى أيديهم غير ملوثة بالدم إياه،وأيضا خضعت لمعايير فصائلية لزرع الفتنة...ثم أدخل أضعاف من أفرج عنهم إلى السجون ويوميا يجري اعتقال 8-20 فلسطينيا في الضفة الغربية!

التبادل هو الوسيلة التي ثبت أنها القادرة على تحرير أسرانا الذين مسهم الضر من سنين ومازالوا يستوحون من نبي الله أيوب صبره،لأن عمر نوح لم ولن يمنح لهم فهذه سنة الله في خلقه،ولكن عمليات التبادل ظلت بطيئة ومتباعدة؛والسبب يعود إلى أن الأطراف والقوى المقاومة ليس لديها عدد معقول من الأسرى الصهاينة كي تساوم عليهم،ولأن عملية التفاوض تجري في ظروف غاية في التعقيد وتصطدم بالمراوغة والعناد ومحاولات كسب الوقت من الاحتلال ،الذي يريد أسراه دون دفع ثمن معقول.

لا يمكن الصمت على استمرار وضع الأسرى بهذا الشكل،وطمأنتهم بقرب الفرج ،وسنوات عمرهم تذوب خلف قضبان المجرمين الظالمين،وعلى فصائل وقوى المقاومة الفلسطينية والعربية العمل على إطلاقهم بالطريق الواضح لذلك!