أبو البراء عضو نشيط
عدد الرسائل : 79 التبادل الاعلاني : تاريخ التسجيل : 20/06/2008
| موضوع: نيسان الفلسطيني شهر الذكريات المريرة.... الخميس يوليو 31, 2008 11:55 am | |
| الفكرة الشائعة عن النكبة أنها تبلورت عن الأحداث التي وقعت في فلسطين بين 15/5/،1948 في ذات الدقيقة التي انتهى فيها الانتداب البريطاني، ودخلت فيها الجيوش العربية إلى فلسطين، و7/1/1949 عندما أعلن عن وقف القتال لآخر مرة في الحرب الأولى بين الدول العربية و”إسرائيل”. ولكن النكبة كمشروع للتفكير والتنفيذ بدأت قبل هذه الفترة.
عندما صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29/11/1947 القرار رقم 181 بتقسيم فلسطين، قبلت الوكالة اليهودية التي كانت برئاسة بن غوريون وتشكّل حكومة الظل لليهود في فلسطين، بقرار التقسيم رسمياً، ولكن معظم قادتها قبلوا به على مضض، لأنهم لم ترق لهم فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة، وكذلك استبعاد القدس من الأراضي المخصصة للدولة “الإسرائيلية”.
اجتمع بن غوريون يومي 1 و2/1/،1948 بكبار مستشاريه المدنيين والعسكريين، وذلك لبلورة استراتيجية يهودية في الصراع المتصاعد بين العرب واليهود. وفي هذا الاجتماع استطاع بن غوريون وقادة الهاجاناه الدفع باتجاه الحرب العدوانية المتلازمة مع الدمار الاقتصادي والحرب النفسية ضد الفلسطينيين. وفي شهر مارس/ آذار كانت الهاجاناه قد جهزت الخطة (D) التي كانت تشكل حجر الزاوية في تلك الاستراتيجية العدوانية، والتي كان أهم أهدافها حماية الأراضي المخصصة للدولة اليهودية بمقتضى قرار التقسيم، واحتلال المدن وتدمير القرى العربية، وطرد الشعب الفلسطيني من دياره.
وفي الأول من ابريل/ نيسان ،1948 وصلت طائرة نقل من طراز داكوتا محملة بالأسلحة التشيكية إلى مطار عسكري بريطاني مهجور في جنوب فلسطين. وقد تم توزيع الأسلحة على المستعمرات اليهودية في المناطق الجنوبية على الفور. وبعد يومين من ذلك، وصلت باخرة سراً إلى خليج صغير على الساحل الفلسطيني تحمل شحنة أخرى من الأسلحة التشيكية. وقد جاءت الأسلحة استجابة إلى برقية بعث بها بن غوريون إلى ايهود أفريل ممثل الهاجاناه في براغ يأمره فيها بإرسال شحنات سريعة من الأسلحة.
كان لهذه الأسلحة تأثيرها في نتائج المعارك الدائرة بين العرب واليهود على أرض فلسطين. ففي 3/4/،1948 تمكن اليهود من احتلال القسطل التي كانت تتحكم بالطريق الموصل بين تل أبيب والقدس. ولكن العرب استعادوا القسطل في الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم 8/4/،1948 وقد استشهد في ذلك اليوم عبدالقادر الحسيني قائد جيش الجهاد المقدس، ثم سقطت القسطل في صباح اليوم التالي 9/4/،1948 تزامنت هذه الخسارة مع الهجوم الوحشي والمذبحة التي اقترفتها عصابتها الأراغون وشتيرن اليهوديتان ضد قرية دير ياسين في 9/4/1948 ما كانت له آثاره السلبية على الروح المعنوية للفلسطينيين.
أما في حيفا فقد تميزت القوات اليهودية، إلى جانب التفوّق في التدريب والتسليح، بمواقعها على مرتفعات جبل الكرمل، بينما كانت الأغلبية العربية من أهل المدينة تقيم في المناطق المنخفضة حول الميناء. وبعد يومين من تبادل متقطع لإطلاق النار بين الطرفين، زحف اليهود من المرتفعات في منتصف نهار 21/4/،1948 واستولوا على مفاصل الطرق والبنايات المرتفعة، وسقطت المدينة في يد القوات اليهودية في 22/4/،1948 قبل انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين. وقد حدثني الصديق الباحث د. جوني منصور من عرب 48 أن والده قد أخبره بأن اليهود قد استخدموا وسائل صوتية في حربهم النفسية ضد العرب خلال معركة حيفا بإذاعة عويل أهالي دير ياسين من مكبرات للصوت كانت تجوب شوارع حيفا.
كان من أهداف الخطة (D) اليهودية تطهير الداخل من العناصر التي تعتبرها معادية، أو من المحتمل أن تصبح معادية، وبهذا المعنى قدمت الخطة مسوّغاً لطرد المدنيين العرب من ديارهم عند احتلال مدنهم وتدمير قراهم. وهكذا بدءاً من شهر ابريل/ نيسان ،1948 بدأت منظمة الهاجاناه بخلق مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
بالإضافة إلى العامل “الإسرائيلي” في خلق مشكلة اللاجئين، كانت هناك عوامل ثانوية فلسطينية وعربية متداخلة أسهمت في بلورة هذه المشكلة على الصورة التي أصبحت عليها. ويمكن أن نجمل هذه العوامل في الآتي: (1) جهل عامة الفلسطينيين (في ذلك الوقت) وعدم وعيهم بالاستراتيجية اليهودية والمصير الذي ينتظرهم بعد الخروج من ديارهم. فقد حسبوا الخروج على أنه رحلة مؤقتة لن تطول لأكثر من أيام أو أسابيع، وهذا راجع إلى قصور القيادة عن التعبئة السياسية، والمكابرة بعدم توعية عامة الشعب بظروف التعامل مع العدو في حالة الخسارة العسكرية، وأن التشبث بأرض الوطن في أي ظرف هو أعلى قيمة في المعايير الوطنية من الفرار أمام العدو وترك الأرض في حوزته. (2) أنانية القيادات السياسية الفلسطينية، والطبقة الغنية التي تتمتع بالوفر المالي، بفرارها المبكر إلى الدول العربية المجاورة للنجاة من تحمل عبء الحرب من دون سائر شعبها، وأعطت مثلاً سيئاً بعدم صمودها. (3) لا مبالاة الجيوش العربية وقادتها بمن تركوهم خلفهم خلال انسحابهم، فلم يتباحثوا معهم في أمر مصيرهم، فتركوهم للفوضى والعشوائية في مواجهة المجهول.
وهناك عاملان آخران يرتبطان بمعايير اجتماعية شديدة الحساسية، أولهما: المحافظة على كرامة المرأة لأن ظاهرة الاغتصاب ملازمة للحروب، وثانيهما: شبهة الخيانة التي تلاحق من يستسلم للعدو ويضطر للتعامل معه بعد الاحتلال. وقد لاحقت هذه الشبهة عرب 48 الذين أصبح صمودهم في فلسطين مفخرة قومية، تميّزوا بها عن بقية الشعب الفلسطيني.
| |
|