عرَّفتَ أنواع الانقلابات ولكنك للأسف لم تفرق بينها ولم توضح معالمها، فتكلمت عن الظاهر وأخفيت حقائق الأمور لعلمك بخطورة ذكرها وعواقب نبشها وظننت أن مشاغلنا ستباعد بيننا وبين قراءة ما بين السطور وفهم حقيقة المعاني وأننا سنمر على ما كتبت مر الكرام، فالانقلاب العسكري يا صديقي تقوم به جهة معارضة على النظام القائم وتكون هذه الجهة لها ظهر ولها سند يدفعها في هذا الاتجاه ويتبناها، وتقف وراءها دول تحميها في أزمتها وتدعمها، فلا يعقل أن تنقلب حماس على نفسها وتدمر شرعيتها، ولا أدري لماذا فاتك أن تكتب عن جلسات المتآمرين في فنادق القدس ورام الله وعن فانتي فير، وتقرير الطيب عبد الرحيم وإقرار قيادات في فتح والسلطة بتورطها في الانقلاب الدموي على الشرعية الحقيقية برعاية أمريكية وأموال أوروبية وأسلحة من دول إقليمية، ربما ألتمس لك عذراً لمكان سكناك أو لعلمك بحقيقة ما يجري عندكم هناك فأنت معذور.
ذكرت أن الشعب الفلسطيني انتخب حماس وصوت لحماس فهذا جيد وأن الحكومة العاشرة وحكومة الوحدة حكومات شرعية وأن حماس خيار الشعب فهذه هي الحقيقة، فلماذا لم تكتب أن حماس عندما تقلدت مقاليد الحكم في الحكومة العاشرة وترأست الحادية عشر قوِضت وسحبت منها الصلاحيات وتمرد من تمرد عليها وتآمر المتآمرون مع أعدائها عليها فكان الضحية لهذا التآمر الشعب والحكومة وحماس، فطالما أن حماس هي خيار الشعب وهي الحكومة والشرعية فكان لا بد أن تحمي الشعب وتحفظ كرامة الحكومة وتحافظ على الشرعية بما أطلقنا عليه نحن بالمفهوم السياسي والمصطلح الواضح الخطوة الأمنية لإنهاء الفوضى والفلتان بعد قتل وإعدام الأئمة والعلماء وحرق الجامعات والمؤسسات وخطف الأجانب والقتل على اللحية والنقاب والهوية وهذا ليس تجنياً بل اعترفوا به بألسنتهم عبر وسائل الإعلام.
ومن قال إن أحداث ما قبل 14 حزيران هي بين تيار مسلح في حماس وتيار مسلح في فتح؟ أنت أوعى من ذلك بكثير ولعلك تعرف الحقيقة حيث أن أحداث ما قبل 14 حزيران بدأت منذ أن صرح أحدهم ليلة 25 يناير 2006 على الملأ بأنه عار على فتح أن تشارك في حكومة مع حماس وأنه حيرقص حماس خمسة بلدي، وكلامه كان نافذاً على فتح وعلى السلطة وعلى الرئيس ومسنود بالظهير الأمريكي والإسرائيلي والأوروبي، وهذا يوضح حقيقة أن ما جرى في غزة هو مؤامرة وحرب على الشرعية وعلى حماس وعلى الشعب وإحداث حرب أهلية، وهذا يتناقض مع كلامك أن فتح أول حزب عربي سياسي يتنازل عن السلطة لصالح حزب معارض وسلمه مقاليد الحكم ويؤمن بتداول السلطة، لا بل على العكس تماماً فتح تنازلت عن الحكم لحماس والتفت من خلف الجبل ووجهت سهامها لكل المشروع الوطني التوافقي الفلسطيني ومن ساهم في إنجاحه وسَلَّمت أمرها لغيرها كي يساعدها بكل الطرق وبكل الوسائل ولو بالحصار والقتل والدمار والتآمر، المهم أن يعيدوهم إلى السلطة التي رفضت فتح تداولها، فأنت قارئ ماهر ولا أعتقد أن ذلك يخفى عليك.
ذكرت أن الاحتلال هو الذي حاصر الحكومتين ونسيت أو تناسيت من تعاون مع هذا المحتل على حصارنا، فاقرأ كلام الطيب عبد الرحيم في تقريره الذي رفعه للرئيس وقال فيه بالحرف الواحد يجب ألا نسمح لنموذج حماس أن ينجح ويجب أن نعمل على إفشاله ويجب محاصرتها.
فحماس قبل وبعد 25 يناير لم تجلس مع القيادات الإسرائيلية الأمنية في رام الله ولم تجلس مع رايس في فنادق القدس ولم تذهب إلى واشنطن ولم تخطط مع دايتون وفرايزر ولن يكون، وكل هذا حصل ولم تكتب عنه للأسف كلمة واحدة؟.
قلت إن الرئيس محمود عباس أول زعيم عربي في التاريخ المعاصر يصدر مرسومين متتاليين لحزب منافس لحزبه لترؤس حكومتين مناهضتين لتوجهاته السياسية، وهذا ليس منة من أحد فهذه هي الديمقراطية، فلم يكن أمام الرئيس سوى هذا الخيار أو تدمير الشرعية والديمقراطية ولم تقل أنه اشترط على هذا الحزب شروطاً إسرائيلية وأمريكية حتى يتعامل معه بعد إصداره هذين المرسومين، ولا أدري ما هو رأيك في أن ننعت المقاومة بالعنف والإرهاب وهل يرضيك الاعتراف بإسرائيل؟ لا أدري، وماذا تقول في الاتفاقيات الموقعة من قبل منظمة التحرير مع الاحتلال الإسرائيلي حتى هذه اللحظة، أعرف رأيك ولا أدري هل تغير أم لا لكنني كنت أتمنى أن توضحه بصراحة في مقالك.
إذا كنت ما زلت مصمماً على رأيك ولا تريد أن تعيد التفكير كفلسطيني محايد مرة أ&&& فهذا شأنك وأنني سأحترم هذا الرأي لو وضَّحت الحقيقة وأكملت الصورة، فبعد تصميمك أن تصف ما يجري في غزة بالانقلاب الدموي فماذا تقول فيما يحصل في الضفة من عزل رئيس الوزراء الشرعي وتعيين رئيس وزراء آخر دون سند قانوني أو دستوري وحل الحكومة الحادية عشر وهي حسب مقالك شرعية، وتعيين حكومة بديلة دون أن تعرض على التشريعي وأنت تعرف هويتها، وما كنت أود معرفته في مقالك هو ماذا تقول في الأرواح التي أزهقت في الضفة الغربية محمد رداد والشيخ مجد البرغوثي وغيرهم وآلام المعذبين والمعتقلين والمشبوحين واعتقال الصحفيين وإغلاق المؤسسات الإعلامية والتنسيق الأمني الخطير لقتل أو اعتقال المجاهدين والمطلوبين إن لم يسلموا سلاحهم، فهل التعاون مع العدو لقتل أبناء الشعب الفلسطيني المدافعين عن الحرية والديمقراطية والمشروع الوطني واستباحة دمائهم هو بدافع نزاهة الرئيس ونزاهة المشروع ونزاهة الخيار أم هو انقلابٌ دمويٌ بعينه؟.
كنت لا أريد أن أنكأ الجراح ولكنني وجدت نفسي مضطراً لتوضيح ما عجز قلمك على توضيحه حتى تكتمل الصورة وتتضح الحقيقية التي اختفت معالمها بين سطور مقالك.