لقد فاضت دموع الحب والشوق من عينيّ على هذا الصديق العزيز والأخ الحبيب الشيخ صلاح شحادة ، وأنا أستمع إلى خبر قصف طيار صهيوني بطائرة أمريكية من نوع ف 16 بقذيفة أمريكية تزن طناً موجهة بالليزر الأمريكي لحي الدرج السكني في غزة ، كان أبو مصطفى يتردد عليه متباعداً ولوقت قصير ليطمئن على أهله في إحدى الشقق ، وبدأت أشاهد أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ تتناثر وتحترق عبر شاشات التلفاز ، وبدأ الحديث عن استهداف الإرهابيين الصهاينة لقائد كتائب القسام الشيخ صلاح مصطفى شحادة ، وبدأت الأخبار تتضارب عن مصيره بين من يؤكد شهادته ومن ينفيها ، وفزعتُ إلى الدعاء ، وصرتُ كالشاعر المتنبي عندما بلغه خبر وفاة شقيقة سيف الدولة :
طوى الجزيرةَ حتى جاءني خبرٌ فزعتُ فيه بآمالـي إلـى الكـذبِ
حتى إذا لم يدع لي صدقُـه أملاً شرقتُ بالدمع حتى كاد يشرق بي
ولما تمّ تأكيد كتائب القسام مصرع قائدها العام ومساعده الصديق الحبيب زاهر نصار ( أبو حماس ) راحت الدموع تنهمر، وراح القلب يخفق ، وانطلق اللسان بالحوقلة والاسترجاع ، وتذكرت قولة الفاروق عمر رضي الله عنه حين بلغه خبر وفاة سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضوان الله عليه : " أعقمت النساء أن تلد مثل خالد " ، ولما سمع الباكيات يندبن خالداً قال : " دعوهنّ .. على مثل أبي سليمان فلتبكِ البواكي " ، ورحتُ أكرر هذه العبارات المنطبقة كذلك على هذا البطل كما انطبقت على ذلك البطل : " أعقمت النساء أن تلد مثل صلاح " ، " على مثل أبي مصطفى فلتبكِ البواكي " ، وفررت إلى الصبر والصلاة مصداقاً لقوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين " ، ودعوت الله أن يعوضنا ويعوض أهلهما والمسلمين عنهما خيراً ، وخلوتُ إلى نفسي الممزقة وعيني الدامعتين لأستحضر الذكريات العزيزة معهما .
قفزت الذكريات مع الشيخ صلاح إلى خيالي وسيطرت على وجداني ، ونحن نلتقي على موائد القرآن والدعوة والحركة الإسلامية ، ثم عندما كانت تجمعنا الندوات واللقاءات الإخوانية ، وعندما كنا نلتقي سوياً بين يدي الشيخ أحمد ياسين ننهل من علمه وإخلاصه وتوجيهاته ، لقد فرّقنا الصهاينةُ فسجنوه وأبعدوني عن الوطن منذ أحد عشر عاماً ، وكان أبو مصطفى يومها شاباً رائع الشباب ، صاحب قامة فارعة ، وجسد قوي ، وعضلات مفتولة ، وإرادة صلبة لا تلين ، وصوت جهوري إذا اعتلى المنابر يهزها كأنه قصف الرعود أو زئير الأسود ، وهادئ هامس إذا تحدث مع إخوانه أو أصدقائه ، ووجه وسيم صبوح ، وابتسامة لا تفارق محياه ، فيه حياء المؤمن في أدب رفيع ، وثبات المتوكل على الله ، هو الزاهد في الدنيا ، المقبل على الآخرة ، المشتاق للشهادة ، الناشئ على طاعة الله منذ طفولته ، الحريص الدائم على الاقتداء في كل حركة وسكنة من حركاته وسكناته بالحبيب الرسول الأكرم صلوات ربي وسلامه عليه وتوجيهاته وأوامره ونواهيه ، التزم مبكراً بالحركة الإسلامية والدعوة الإسلامية أثناء دراسته الجامعية في الاسكندرية ، عاش نقي القلب واليد طوال عمله مفتشاً للشئون الاجتماعية في قطاع غزة ثم مسئولاً لشئون الطلاب في الجامعة الاسلامية لغزة ، كان يعيش في بيت متواضع مع زوجته وبناته الست في قرية بيت حانون التي عاش فيها ، ولقد غضب غضباً شديداً عندما بنى إخوانه في الحركة لأسرته بيتاً أكبر وأفضل من بيته القديم أثناء سجنه الطويل ، إنه حافظ القرآن ، وخطيب الجمعة المفـوّه الذي لا يضاهيه خطيب ، حيث كان يؤم مسجده في بيت حانون وغيرها آلافُ المصلين والشباب المؤمن المجاهد .
فلسطين في قلب الشيخ صلاح شحادة : نشأ الشيخ صلاح على الإيمان والتقوى وحب فلسطين ، وكيف لا ؟ وهو ابن مدينة يافا الساحليه الجميلة التي احتلت عام 1948 وتم تشريد أهلها منها ، ومنهم أهل الشيخ صلاح إلى قطاع غزة حيث ولد عام 1952م ، وآمن منذ نعومة أظفاره بأن فلسطين أرض وقف إسلامي لا يجوز التفريط بذرة منها ، وأنها قضية إسلامية يجب على كل المسلمين العمل لتحريرها ، وأن الجهاد هو الوسيلة الوحيدة للتحرير وإزالة الكيان الصهيوني الغاصب من الوجود.
انضم منذ شبابه المبكر إلي الحركة الإسلامية وبايع الشيخ احمد ياسين علي الإسلام والجهاد ، وانضم إلى الجناح العسكري الأمني واسمه «منظمة الجهاد والدعوة » "مجد " وقاد المجاهدين الذين نفذوا الكثير من العمليات الجهادية ضد الجنود الصهاينة ، كما حققوا اختراقاً أمنياً للعدو من خلال اعتقال بعض العملاء والتحقيق معهم ، وكشف الشبكات الصهيونية التجسسية ثم إعدام هؤلاء العملاء .
الاعتقال الأول : اعتقل الشيخ صلاح عام 1984م بعد اكتشاف الصهاينة لمخزن سلاح واكتشاف تنظيم عسكري يرأسه الشيخ احمد ياسين ، ورغم بشاعة التحقيق الصهيوني مع الشيخ صلاح شحادة الا أنه صمد في التحقيق ولم يعترف بأي علاقة له مع العمل العسكري ، ومع ذلك حكم عليه الصهاينة بالسجن لمدة سنتين وفق قانونهم الجائر ، خرج بعدها أشد مراساً وأقوى شكيمة ، وأحرص على الجهاد والعمل العسكري لمقاومة الاحتلال .
ولما اندلعت الانتفاضة الإسلامية الأولى عام 1987م كان أحد المشاركين في تأسيس حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بصفته مسئولاً عن المنطقة الشمالية في قطاع غزة ، إلى جانب شيخه واستاذه الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبدالعزيز الرنتيسي والشيخ عبد الفتاح دخان وآخرين ، وتولى قيادة الجناح العسكري لـ «حماس» منذ ذلك الوقت ، واعتقل من قبل الصهاينة عند اختطاف كتائب القسام عام 1988م لعسكريين صهيونيين هما " آفي سبورتس و إيلون سعدون " ، واتهم بأنه جند الخاطفين ، وأعطى الأوامر بصفته قائد الجناح العسكري ، واعتقل معه بعض المجاهدين وعلى رأسهم المجاهد محمد الشراتحة ، واختفى آخرون كانوا يعلمون الأسرار التفصيلية ، ولم يعترف أبومصطفى بالتهم المنسوبة إليه رغم خضوعه للتحقيق الوحشي أكثر من 200 يوم ، وأصدرت المحكمة العسكرية الصهيونية حكمها عليه بالسجن عشر سنوات.
صلاح شحادة والإرهابي اسحاق مردخاي :
كان الإرهابي الصهيوني اللواء اسحاق مردخاي قائداً للمنطقة الجنوبية التي تضم قطاع غزة والنقب في جيش الاحتلال الصهيوني عام 1988م (قبل أن يصبح وزيراً للحرب) ، وقد حضر هذا الإرهابيُّ مردخاي إلى سجن غزة حيث كان يعتقل الشيخَ صلاح واستدعاه إلى مكتب مدير السجن ، فجاء به الجنود الصهاينة مقيد اليدين والرجلين ، فأبى الشيخ العزيز أن يتحدث مع مردخاي حتى يتم فك قيوده ، فاستدعى مردخاي الجنود لحمايته من هذا الأسد الأسير وأمر بفك قيوده ، وسأله عن مكان جثث العسكريين الصهيونيين ، فأنكر الأسد الهصور صادقاً معرفته أو معرفة أحد من إخوانه السجناء بالمكان ، فقال له الإرهابي مردخاي :
ـ يا جنرال صلاح إنّ جنودك جبناء يكذبون .
فقال له الشيخ صلاح :
ـ اعلم أيها الجنرال أن رجالي مؤمنون وشجعان لا يعرفون الكذب ولا يجبنون ، لقد اختطفوا جنودك وهم مدججون بالسلاح ، بينما يقتل جنودك الأطفال والنساء والشيوخ والشباب العزل ، وقد بالوا على أنفسهم عندما تمّ اختطافهم، وقبّـلوا أقدام المجاهدين لإطلاق سراحهم ، وكانوا يصرخون ويبكون كالنساء ويستنجدون بأمهاتهم ، عندها خرج الإرهابي غاضباً خجلاً من فعل جنوده الجبناء .
شهادة الأعداء لشيخ المجاهدين :
يتفق محبو الشيخ وأعداؤه على حد سواء على الخصال الرفيعة التي يتصف بها والتي تليق بقائد شجاع ومقدام وصلب ذي عقلية فريدة على التنظيم ، ورغم الفرحة العارمة التي غمرت الصهاينة بقتله إلا أنهم لم يستطيعوا أن يخفوا خصاله ومآثره ، فهذا يعقوب بيري رئيس جهاز الأمن الصهيوني السابق ( الشاباك ) يقول في مذكراته التي تمت ترجمتها للعربية:
" صلاح شحادة يمتلك شخصية قوية وصلبة وقادر على امتصاص جميع وسائل التعذيب ، ومواجهة أية إغراءات في التحقيق ، شحادة هو كاتم أسرار الشيخ أحمد ياسين ، وهو ضليع في الشؤون الدينية وحسن المحيا ، يخفي وراء هذا القناع شخصية أحد القادة الأكثر قسوة في أوساط " حماس " ، ويروي بيري بأنه فشل في التأثير على شحادة ودفعه إلى الاعتراف بالتهم الموجهة إليه ، ولكي يضاعف من التأثير عليه أحضر في إحدى جلسات التحقيق التي كان يشرف عليها بنفسه قائد القطاع الجنوبي في جيش الحرب الصهيوني وقتذاك اسحاق مردخاي وضباط آخرين رفيعي المستوى في التحقيق ومع ذلك لم يفلح الجميع في التأثير على إرادة الشيخ ، وقال بيري : " لقد حرمناه من النوم لفترات طويلة ، وحققنا نعه بصورة مكثفة وطويلة ، لكنه كان قوياً ومصراً على عدم الخنوع " .
قضى الشيخ سنوات سجنه صابراً محتسباً رغم كل الظروف القاسية التي أحاطت به ، ورغم فترات طويلة من سجنه الانفرادي في زنزانة ضيقة ، شغل نفسه فيها بحفظ القرآن وتلاوته والصلاة والقيام وذكر الله والتضرع إليه ، يردد قول الشيخ ابن تيمية رحمه الله : " أتهددونني بالسجن .. اعلموا أنّ سجني خلوةٌ مع الله " ، فكان السجن عند أبي مصطفى خلوة مع الله ، وتطهيراً للنفس وتزكية للفؤاد ، وكان فرصة للتفكير العميق والتخطيط الدقيق لابتكار أساليب جديدة في العمل العسكري المقاوم ، وكان أباً حنوناً للمعتقلين من كل التنظيمات الفلسطينية يعلمهم الإسلام ، ويعينهم على الصبر والمصابرة ، ويشغل أوقات فراغهم بالنافع المفيد من حفظ للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، وسيرة سيد الأنام محمد (ص) وتاريخ الاسلام العظيم ، ورجاله الأفذاذ ، وحب فلسطين وواجب الجهاد لتحريرها ، إلى جانب تسليتهم وتقوية أجسادهم بفنون الرياضة المختلفة ومنها المصارعة اليابانية التي كان يجيدها إلى حد حصوله على الحزام البني فيها منذ دارسته في الاسكندرية ، وكان يوجه نصائحه لإخوانه المجاهدين عبر رسائل يتم تهريبها من سجنه .
الإفراج عن الشيخ بعد إضافة حكم جديد :
عندما حل موعد الإفراج عن الشيخ بعد عشر سنين من سجنه عاقبه الصهاينة بتوصية من قادتهم بتمديد سجنه ستة وعشرين شهراً جديدة ، وكانوا أحرص على إبقائه لولا أن الله أنجاه منهم وخرج عام 2000م سالماً من سجون الظالمين الصهاينة ليزور أولاً قبر أبيه الذي توفي حسرة عليه أثناء اعتقاله ، ويرى بناته الست الصغيرات قد كبرن وتزوجت بعضهن وأنجبن له أحفاداً يحمل بعضهم اسمه العزيز .
لم يضع وقتاً طويلاً بعد الإفراج عنه حتى عاد الشيخ إلى قيادة كتائب القسام ليطور عملياته وإمكانياته ، وليختفي عن الأنظار ويصبح المطلوب رقم 1 لجيش القتلة الصهاينة بعد انتفاضة الأقصى، وليوجع الصهاينة بعمليات القسام الاستشهادية والعسكرية وصواريخ القسام التي تم تصنيعها وتطويرها بجهود ذاتية وإمكانيات متواضعة والتي أوقعت في جنود العدو وقطعان مستوطنيه المئات من القتلى والآلاف من الجرحى ، وتلاحقه استخبارات العدو لتصفيته بعد أن أقض مضاجعهم ونكّل بهم ، والله ينجيه في مرات كثيرة من شرورهم ومكرهم ، إلى درجة أن الإرهابي شارون كان يخطط لاجتياح قطاع غزة كما اجتاح الضفة الغربية لعله يعتقل أو يغتال الشيخ صلاح شحادة كأحد أهم أهداف الاجتياح كما صرح الصهاينة.
الفوز بالشهادة التي تمناها :
كانت نفسه تتوق للشهادة ولقاء الله والجنة ، وعندما ودّع ابنَ اخته الشاب الحبيب إلى قلبه بلال شحادة ، والذي كان يشبه خاله خَلقاً وخُلُقاً قبل شهور بعد أن هيأه لعملية جهادية في مغتصبة نتساريم الصهيونية وداعاً يعلم أنه لا لقاء بعده في الدنيا، أوصاه بتقوى الله والثبات عند اللقاء وفاضت دموعه وهو يقول له : " ادعُ الله لي بالشهادة لعلنا نلتقي قريباً في الجنة " وصيته مدرسة في الإيمان والإخلاص :
كتب الشهيد وصيته التي تدلّ على إخلاص لله قلّ نظيره ، وتوق للشهادة قلّ مثيله قال فيها :
أولاً : أوصيكم بتقوى الله والجهاد في سبيله ، وأن تجعلوا فلسطين أمانة في أعناقكم وأعناق أبنائكم إلى أن يصدح الآذان في شواطئ يافا وحيفا وعسقلان .
ثانياً : أوصي في كل أموالي وديوني التي ستفصل في ملحق خاص بتنفيذ حكم الله فيها من عالم شرعي مختص من أتقياء المسلمين حسب شرعنا الحنيف .
ثالثاً : أوصي أن يتولى غسلي ـ إن غُسلتُ ـ الأخُ نزار ريان ( شيخ واستاذ في الجامعة الإسلامية وصديق للشهيد ووالد شهيد ) ، فإن لم يكن فالأخ عبد العزيز الكجك ( شيخ ومصلح ووالد شهيد ويعمل بالجامعة الإسلامية ) ، على أن يسترا عورتي ، ويحفظا سري ـ حفظهما الله ـ وأن يتولى لحدي في قبري أحد الأخوين المذكورين . ( ملاحظة : لم يبق من جسد الشيخ الشهيد قطعة واحدة معروفة له ) .
رابعاً : تنتهي التعزية بي عند قبري ، وإني برئ من كل من يقوم بنصب مأتم لي ، وأبرأ إلى الله من كل عمل يخالف شرع
الله من نياحة أو لطم للخدود أو شق للجيوب أو نتف الشعور أو تكبير صوري ووضعها على الجدران .
خامساً : أوصي أهلي وزوجتي وذريتي بالدعاء لي بالمغفرة والستر ، وأن يسامحوني من أي عمل يجدونه في خواطرهم على سببته لهم .
سادساً : أن يكون قبري بجوار قبور الصالحين ما أمكن ، وألا يُبنى قبري أو يُجصّص ، أو يُكتب عليه الشهيد ـ وإن استشهدت ـ فالله أعلم بعباده .
وأخيراً أدعو الله تعالى أن يرحمني وإياكم ، وإلى لقاء عند رب غفور رحيم كريم بإذنه تعالى " .
كتب الشهيد وصيته في 20 صفر 1422 هـ ( قبل أكثر من عام ) وأشهد عليها أحد إخوانه الشيوخ ، إلا أنّ الله سبحانه وتعالى مدّ في عمره إلى أجله المحتوم ريثما يوقع المزيد من القتلى والجرحى في صفوف الأعداء الصهاينة ، ويثأر للأبرياء من أبناء فلسطين ، ويعدّ قادة يخلفونه ، ولما دنا الأجل وحان وقت الشهادة نالها مع شريكة عمره الصابرة زوجته ليلى وبنته الصغرى إيمان (15 عاماً ) ، إلى جانب رفيق جهاده الشهيد زاهر نصار ( أبو حماس ) ، ليرتقي معهم أربعة عشر شهيداً من أطفال ونساء وشيوخ الجيران ، ويجرح مائة وخمسون آخرون من جيرانه الذين أحبوه وتعلقوا به في حياته ولحق بعضهم به بعد شهادته ، وبقي بعضهم ينتظر الشهادة ويشكو إلى الله ظلم الصهاينة والأمريكان والصامتين الذين ماتت ضمائرهم وهم يرون البيوت تُهدم على رؤوس أصحابها النائمين في جوف الليل بالقنابل الفراغية والمتفجرة الأمريكية الصنع والتي تزن الواحدة منها أكثر من طن تفرغها الطائرات المقاتلة الأمريكية ، والعالم الجاحد والأمم المتحدة المسخ والإرهابي بوش وإدارته الصليبية المتصهينة لا يهتز فيهم عرق إنساني وهم يستمعون إلى الإرهابي شارون يهنئ جيش الاحتلال والإرهاب على نجاح هذه المجزرة الإجرامية ، وبينما كان أكثر من مائتين وخمسين ألفاً من سكان قطاع غزة الذي لا يتجاوز عدد سكانه المليون إلا بقليل يشيعون الشهداء باكين صارخين بالانتقام كانت تتردد في بعض جوانب العواصم العربية والإسلامية بعض أصوات تدين علي استحياء هذه الجريمة ، بينما يلتزم الآخرون الصمت الرهيب ، وكأن الأمر لا يعنيهم من بعيد أو قريب ، ويستمر إعلام بعضهم يذيع الأغاني الماجنة ، ويعرض الراقصات العاريات والأفلام الخليعة دون خوف من الله أو حياء من الناس ، وبينما كان طيران العدو يعربد في سماء فلسطين ينشر الموت والخوف والدمار لم تتحرك طائرة ولم ينطلق صاروخ أو قذيفة ولو في فورة غضب ونخوة عربية أو حمية إسلامية دون إذن الحاكم القابع على عرش الذلة والهوان لتثأر لدماء هؤلاء الشهداء الفلسطينيين العرب المسلمين الأبرياء ، بل أقل من ذلك بكثير بإيصال بعض السلاح للفلسطينيين ليدافعوا به عن أنفسهم بدل اعتقال مرسلي السلاح أو قتلهم ، ولم يتم ُطرد سفير صهيوني أو أمريكي ولم تُقفل سفارة صهيونية في بلاد العرب والمسلمين ، ولم تخرج مسيرة صاخبة في العواصم العربية والإسلامية تنادي بالموت لـ "اسرائيل" وأمريكا ، وتدعو للثار والانتقام وضرب مصالح الإرهاب الأمريكي ولو بالكلام .
اللهم إنا نبرأ إليك من الصامتين والمتخاذلين والمطبعين ، اللهم إنا نشهدك أنّ الثأر المقدس قادم ليزلزل كيان الصهاينة مهما كلف الثمن .
فإما حياةٌ تســرّ الصديق وإما مماتٌ يغيظ العدا
إنّ دماء هؤلاء الشهداء لن تضيع سدىً ، وإنّ لهؤلاء الشهداء الأعزاء بواكي وباكين بكوا ويبكون عليهم ولن يكتفوا بالبكاء ، وسوف يجعلون نساء ورجال يهود يندبون ويبكون كما بكت نساء ورجال فلسطين والعرب والمسلمين ، وسوف يشفي الله بهم الصدور ، ويذهب غيظ القلوب .
مصداقاً لقوله تعالى :
" قاتلوهم يعذبهم اللهُ بأيديكم ويُخزهم وينصْركم عليهم ويشفِ صدورَ قومٍ مؤمنين ، ويذهبْ غيظ َ قلوبهم ويتوبُ الله ُ على من يشاء ُ والله ُ عليم ٌ حكيم " صدق الله العظيم ( التوبة 14 ) ."