لعل من شأن التقرير الذي أعلنته حركة «السلام الآن» الإسرائيلية يوم الأربعاء الماضي 7/11/2007 حول معطيات الهجوم الاستيطاني الصهيوني في الضفة الغربية أن يقلب كل الحسابات الفلسطينية العربية إزاء عملية المفاوضات والسلام المزعوم لو وقف الفلسطينيون والعرب وقفة جادة وحقيقية ومسؤولة في مواجهة مشروع دولة الاحتلال!
فقد جاء في تقرير «السلام الآن» على سبيل المثال: إن أعمال بناء تجري في 88 بؤرة استيطانية يهودية في الضفة الغربية وإن الحكومة الإسرائيلية لا تبالي بالجهود الفلسطينية والأميركية التي تدفع باتجاه استئناف المفاوضات بشكل مكثف عقب مؤتمر أنابوليس.
وأكدت الحركة الإسرائيلية المناهضة للاحتلال الإسرائيلي على خلاف بعض العرب «أنه يتم توسيع أربع وثلاثين نقطة استيطانية عشوائية أخرى حيث تقام منازل ثابتة». وأفاد التقرير الذي استعرضه «يونثن بلوم» من الحركة: أن البناء في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية يتواصل مع اقتراب موعد الاجتماع الدولي حول السلام في الشرق الأوسط المرتقب عقده في أنابوليس في الولايات المتحدة في الأسابيع المقبلة.
ولعل هذا التقرير الخطير عن الاستيطان الصهيوني عشية مؤتمر السلام المزعوم يستدعي التوقف وتسليط الأضواء على أهم وأخطر حقائق مشروع الاستيطان المستمر على نحو بلدوزري في عمق الأراضي العربية المحتلة.
فقد جددت حكومة أولمرت وفق المعطيات الهجوم الاستيطاني ضد الفلسطينيين، فلجأت للانقضاض على أراضيهم، وحركت البلدوزرات العملاقة مجدداً وشرعت بتكريس مخططاتها الاستيطانية وفرض الوقائع على الأرض، وأخذت تشن أكبر وأوسع هجمة استيطانية على الأراضي الفلسطينية منذ توليها الحكم في "إسرائيل" في شهر مارس من العام / 2006.
ولا يخفى في هذا الصدد أن دولة الاحتلال لا تفوت فرصة إلا وتستثمرها في تعزيز الاستيطان والتهويد، وقد حذر الدكتور جاد إسحاق مدير معهد الأبحاث التطبيقية في القدس المحتلة «أريج» من خطورة استغلال الحكومة الإسرائيلية للأوضاع الفلسطينية الداخلية والإقليمية والدولية لفرض حقائق جديدة وأمر واقع جديد في الضفة الغربية والقدس المحتلة عن المركز الفلسطيني للإعلام.
وفي صميم معنى الهجوم الاستيطاني وتكريس الاستيطان على الأرض كأمر واقع يفرض على الفلسطينيين والعرب كان بلدوزرهم الاستيطاني شارون قد قال: لولا وجود المستوطنات اليهودية في الجولان ويهودا والسامرة - أي الضفة - لعادت "إسرائيل" منذ زمن بعيد إلى الخط الأخضر.
وفي هذا السياق المتعلق بالجبهة الاستيطانية أيضاً كشفت صحيفة هآرتس العبرية النقاب عن أنه تحت غطاء الانفجاريات الآتية من غزة وعبارات أولمرت اللطيفة التي يهمس بها في آذان أبو مازن، تنتهج حكومة كاديما - حزب العمل استراتيجية استيطانية توضح سبب صمت وزير الشؤون الاستراتيجية أفيغدور ليبرمان.
وكانت حركة «السلام الآن» الإسرائيلية قد كشفت النقاب قبل شهور أيضاً عن: «أن "إسرائيل" تتصرف مثل دولة مافيا بأقدامها على سلب أملاك خاصة متجاهلة ليس القانون الدولي فحسب، بل كذلك القانون الإسرائيلي».
إلى ذلك كانت وحدة دعم المفاوضات الفلسطينية قد أعلنت في مؤتمر القدس للإعلام والاتصال حول التوسع الاستيطاني معطيات تثير الرعب واستعرضت تطورات الاستيطان والجدران كما يلي:
- آخر التطورات المتعلقة بالجدار: فبعد مضي أكثر من عامين على تأكيد محكمة العدل الدولية على عدم قانونية الجدار، واصلت "إسرائيل" بثبات تشييد الجدار والنظام الملحق به، وخصوصاً في مناطق وسط وجنوب الضفة الغربية والقدس. تم وفقاً للأمم المتحدة الانتهاء من بناء 51% من مسار الجدار.
- اكتمال بناء الجدار في القدس: ويضيف التقرير الفلسطيني: في حين اكتمل بناء الجدار حول القدس من الشمال والجنوب والشرق وعزل 250.000 فلسطيني مقدسي عن باقي الضفة الغربية، استمر البناء في مقطع الجدار بين قريتي بيت عور الفوقا والطيرة وبالقرب من حاجز الرام بين ضاحية البريد وعطاروت، كما أكملت "إسرائيل" بناء معبر حزما.
- التوسّع الاستيطاني: وعلى نحو مكمل استمرّت "إسرائيل" في وضع الخطط وإقرار توسيع المستوطنات في كافة أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة، وقامت بأعمال بناء فعلية في ما لا يقل عن 39 مستوطنة بما في ذلك المناطق الصناعية، مع تأكيد خاص على المستوطنات الواقعة غرب الجدار.
- الغور تحت التهويد الجارف: تفيد أحدث التقارير الفلسطينية: أن طاقماً من الباحثين الإسرائيليين قدم دراسة إلى المستوى السياسي في "إسرائيل"، يوصي بضرورة أن تقوم الحكومة الإسرائيلية بخطوات عاجلة تعزز سيطرة "إسرائيل" على غور الأردن.. والدراسة حملت عنوان «غور الأردن.. إسرائيلي إلى الأبد». وجاء فيها «أن الاحتفاظ بغور الأردن يمنع تطور دولة فلسطينية وتمددها، ويحافظ على العمق الجغرافي الاستراتيجي ويمنع من قيام محور يمتد من طهران وحتى أبواب تل أبيب - عن المنار».
- مساحات الجدار ومناطق العزل والمصادرة في الضفة: وعن خرائط الاستيطان والجدران والتهويد ومناطق العزل والمصادرة كشفت المصادر الفلسطينية عن الخطة الإسرائيلية الرامية إلى مصادرة مساحات واسعة من جنوب الضفة الغربية وعزل الجنوب عن الوسط والشمال إضافة إلى تهويد المدينة المقدسة وإكمال جدار الفصل العنصري خلال الخمسة عشر شهراً المقبلة بضم أكثر من 14.4% من الضفة الغربية عملياً وعزل أكثر من 38% منها وخاصة في الواجهة الشرقية - غور الأردن.
وأوضحت «أن مساحة منطقة العزل الشرقية تبلغ 1664 كيلومتراً مربعاً وتمثل 29.4% من المساحة الكلية للضفة الغربية (5661 كيلومتراً مربعاً) وتضم أيضاً 43 مستوطنة إسرائيلية و42 تجمعاً فلسطينياً».
- أسلحة الاستيطان- الخرائط والقرارات والأوامر العسكرية: وفي السياق الهجومي الاستيطاني أيضاً كان أوري أفنيري أحد أهم أقطاب «معسكر السلام» الإسرائيلي وأبرز الخبراء في السياسات الصهيونية قد أكد لنا منذ أكثر من عشر سنوات على سبيل المثال قائلاً: إن الحرب الحقيقية تدور رحاها في أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، وأسلحتها تتكون من: الخرائط والقرارات والأوامر العسكرية، وهي حرب مصيرية يتعلق بها مصير ملايين الفلسطينيين، فإما الحياة وإما الموت.
وأدوات هذه الحرب المصيرية حسب أفنيري وحسب التقارير الفلسطينية المختلفة هي الخرائط والقرارات والأوامر العسكرية الإسرائيلية، والخرائط هنا هي خرائط الأراضي والمصادرات والمستعمرات والجدران، والقرارات -هي تلك الصادرة عن المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية والمتعلقة بتلك الخرائط، والتعليمات العسكرية- هي تلك التي تصدر للأسلحة الإسرائيلية المختلفة وكذلك لوحدات المستوطنين اليهود وعنوانها العريض: اهجموا!
الجرافة كأداة حرب واستيطان :
أما أخطر أسلحة الاستيطان فهي البلدوزرات العملاقة التي تعمل في جسم الضفة على مدار الساعة، وفي هذه الحقيقة الكبيرة يقول الكاتب الإسرائيلي «يهودا ليطاني»: إن الجرافة تحولت إلى أداة حرب للجيش الإسرائيلي، الأداة التي تشبه الدبابة وترمي إلى الدمار وليس إلى البناء، ويؤكد الكاتب الإسرائيلي عوفر شيلح على دور الجرافة الاستيطانية أيضاً قائلاً: تواصل صديقتنا الجرافة تصميم الواقع في الضفة الغربية.
ومن جهتها كتبت الصحافية الإسرائيلية المناهضة لسياسات الاحتلال عميره هس تؤكد: التفاؤل بعملية السلام شيء، والجرافات شيء آخر، ف"إسرائيل" تبني للفلسطينيين في الضفة الغربية محميات هندية مبعثرة هنا وهناك.
فلسطين كلها تحت مخالب الاستيطان :
أما عن معطيات التهويد الشامل لفلسطين 48 وللضفة الغربية تحت مظلة الأوضاع العربية والدولية، فحدث بلا حرج وبلا حدود.
فبيت القصيد هنا في هذا الصدد أن فلسطين من البحر إلى النهر تحت مخالب الاغتصاب والتهويد والاقتلاع والترحيل وهذه العملية تجري مع بالغ الحزن والقهر تحت مظلة «عملية السلام»، وعلى مرأى من العالم العربي والمجتمع الدولي.
ليتضح لنا بالمعطيات والأرقام الموثقة أن خرائط الحرب والجدران والاستيطان هي التي تهيمن على الأراضي الفلسطينية، إذ تتواصل في كل أرجاء الضفة معركة تحويل كل مدينة أو قرية فلسطينية إلى جيب منقطع محوط بمناطق سيطرة إسرائيلية عسكرية واستيطانية على حد سواء.
وهي معركة مخططة جيداً من قبل الاحتلال وتهدف إلى منع كل إمكانية لإقامة دولة فلسطينية حقيقية مستقلة؟ فهل نرى في ضوء كل ذلك يا ترى وقفة عربية حقيقية ومسؤولة عشية المؤتمر المزعوم أو خلاله.