عندما نقول للبعض في الساحة الفلسطينية، حول رغبة الإسرائيليين في السلام ، بأنها أشبه بالثور المحلوب، أي بمعنى آخر ان الإسرائيليين يبيعوننا نحن العرب والفلسطينيين سراباً وأوهاماً، ونحن نشتري هذا السراب وهذه الأوهام ونعمل على تسويقها، بل ونشبعها شرحاً وتحليلاً وتفصيلاً، يريد البعض أن يقنع شعبنا ونفسه باسم الواقعية والعقلانية ومنطق ومنهج التفاوض من أجل التفاوض بذلك،عملاً بالمأثور الشعبي »عنزة ولو طارت« ، فعندما جرى الحديث من قبل بعض الزعماء الإسرائيليين، عن العودة إلى وثيقة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل »كلينتون«، فيما يتعلق بمصير القدس المحتلة منذ عام 1967، سيادة عربية على الأحياء العربية فيها ، وسيادة إسرائيلية على الأحياء اليهودية، مقابل شطب حق العودة ،إعتبر البعض في الساحة الفلسطينية، ان هذا يعكس رغبة إسرائيلية في التقدم في المفاوضات السياسية، ويندرج في إطار ما يسمى »بالتنازلات المؤلمة« من أجل السلام.
وهؤلاء الإسرائيليين بخبرتنا الطويلة معهم نحن الفلسطينيين، يمكن لنا توصيفهم كحال الصياد،الذي تدمع عيناه من دخان النار التي يشوي عليها لحم العصافير التي إصطادها،أي علينا عدم النظر إلى دموعه، بل إلى يديه ، وهذا حالنا نحن الفلسطينيين مع اسرائيل، حيث تتباكى على السلام ليل نهار، والإستعداد لتقديم ما يسمى بالتنازلات المؤلمة، وعلى أرض الواقع لم تترك أية وسيلة قمع وبطش وتنكيل وإذلال وإمتهان للكرامة والإنسانية،إلا ومارستها وإستخدمتها بحق شعبنا الفلسطيني، ومن ثم يخرج زعماؤها على الرأي العام العالمي المغرق في النفاق والدجل والمعايير المزدوجة، ليقولوا بكل تبجح، أن الشعب الفلسطيني، لا يريد السلام، ولا يوجد هناك شريك فلسطيني .. إلخ ، ذلك من الإسطوانة والمعزوفة المشروخة.
أما هم فهم دعاة وحماة السلام ، فعندما يقومون بمصادرة أكثر من 1200 دونم من أراضي السواحرة الشرقية وأبو ديس والعيزرية لصالح مخططاتهم التوسعية والإستيطانية ، وإحكام الإغلاق والطوق على المدينة المقدسة، فهل هذا يخدم السلام ويدلل على الجدية والتضحية من أجل السلام؟، أم أنه يندرج ويتفق مع الذهنية والعقلية الإسرائيليتين القائمتين على العنجهية والغطرسة والنظر للآخر بدونية، تحت يافطة »شعب الله المختار«، وأن على الاخر الإستسلام والإستجابة الكاملة للشروط والإملاءات الإسرائيلية للتسوية، لا لعودة اللاجئين حتى بصيغة بيلن- عبدربه »الخلاقة«، او ما يسمى بوثيقة جنيف ؟ . ولا للأنسحاب من القدس ، ولا للعودة لحدود الرابع من حزيران، ولا لإزالة الكتل الإستيطانية الكبرى، فعن أي سلام يتحدثون؟.
ويطبل ويزمر البعض في الساحة الفلسطينية، وكأننا حررننا الأندلس، وكأن المية لا تكذب الغطاس، فرئيس ما يسمى بلدية القدس، بمجرد أن تساءل أولمرت في لقاء صحفي عن جدوى ضم أراضي الولجة والسواحرة الغربية ومخيم شعفاط إلى القدس ، وكذلك دعوة عضو الكنيست حايم رامون، لتقسيم القدس، فإنه ثار غضبا ،حيث دعا إلى تكثيف الإستيطان في قلب الأحياء العربية في القدس، ولم يكتف بذلك ولكي يثبت للمستوطنين أنه على يسارهم، أقر وصادق على بناء حي إستيطاني آخر في قلب سلوان الملاصقة للبلدة القديمة، وأعلن أنه في المدة القريبة سيشن حملة هدم واسعة بحق المنازل العربية المشيدة بدون تراخيص.
أما زعيم حركة شاس إيلي يشاي ، فيقول في لقاءه مع وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس، أنه يرفض بشكل قاطع تقسيم مدينة القدس، »مدينة الأباء والأجداد«، حسب تعبيره علما ان ، وجودنا كعرب في هذه المدينة يعود لخمسة الآف سنة، ليخرج علينا من هو قادم من أوروبا الشرقية، أمثال ليبرمان زعيم إسرائيل بيتنا، وإيلي يشاي زعيم حزب حركة شاس، ويقولوا لنا أرض الأباء والأجداد، أو كما شرح يشاي لرايس، بأن العريس اليهودي في يوم زفته ، يقسم بأن تنساه يمينه، إن هو نسي أورشليم ، وهذه المواقف العنصرية والمغرقة في التطرف وإحتقار الآخر ونفي وجوده ، هي على غرار ما قالته رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة غولدا مائير: أين هو الشعب الفلسطيني؟! وبأنها تصاب بالحزن والإحباط مع كل ولادة جديدة لطفل فلسطيني، وهذه المواقف الإسرائيلية ليست تعبيراً عن موقف الصقور واليمين في إسرائيل، بل تجمع عليها غالبية ألوان الطيف السياسي الإسرائيلي من اليسار الصهيوني وحتى المتطرف آفي إيتام وغيره من قادة اليمين الإسرائيلي المتطرف.
ومن هنا فإنه يتوجب علينا نحن الفلسطينيين، أن لا نستمر في شراء الأوهام الإسرائيلية والمراهنة عليها، وعلى رايس وبلير ، الذي صعق لصعوبة الظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني، والذي وجد أن مأساة الشعب الفلسطيني، ليس سببها الإحتلال، وإنما المسألة إقتصادية وإصلاحات أمنية، وأنه لو قال غير ذلك فهو سيدين حكومته، التي تتحمل مسؤولية تاريخية ازاء مأساة الشعب الفلسطيني، ولأن ما يهمه بالدرجة الأولى هو وأوروبا الغربية مصلحة إسرائيل أولاً وعاشراً، وكذلك فإنه من المحظور علينا نحن الفلسطينيين أن نذهب لمؤتمر دولي، لا يتضمن وقفاَ شاملاً لكل أشكال الإستيطان وتحديداً في القدس وضواحيها، مع ضمانات دولية كافية بالإنسحاب الإسرائيلي منها، وإلا فإننا سنكون شهود زور ومشرعين للإحتلال والإستيطان، وخصوصاً أنه مع الحديث عن عقد المؤتمر الدولي، وبالونات الإختبار التي يطلقها عدد من الزعماء الإسرائيليين، حول الإستعداد لتقسيم مدينة القدس، فإن الهجمة تزداد شراسة على المدينة المقدسة، وبكل الوسائل والطرق المشروعة وغير المشروعة.
فرئيس بلدية القدس، والذي يمنع أي بناء في سلوان يزيد عن أربعة طبقات، سمح للمستوطنين بعد إستيلائهم على بيت مراغة في سلوان ، والمؤلف من ست طبقات بالعيش فيه، وعمل على ترخيصه، وهو يجاهر علناً بأنه سيشن حملة شعواء على السكان العرب في القدس، تطال البشر والشجر والحجر.
وهذه الحملة تتطلب مواجهة منظمة وموحدة من كل أبناء الشعب الفلسطيني المقدسيين قبل غيرهم، أحزاب وفصائل ومؤسسات مجتمع مدني، وبدعم وإسناد من قبل السلطة الفلسطينية، ومن كل الشعوب العربية والإسلامية، من أجل الحفاظ على عروبة المدينة المقدسة وهويتها، وتثبت وصمود سكانهاعلى أرضها وحمايتها من الأسرلة والتهويد.