بعد أن كان الشعب الفلسطيني يواجه منذ الاحتلال للأراضي الفلسطينية عام 67 دولة الاحتلال بكل عناوينها وأعبائها من الآلة العسكرية الحربية إلى الإجراءات الإدارية إلى الحصارات والأطواق والحواجز التنكيلية، إلى معسكرات الاعتقال الجماعي، إلى الاستيطان والجدران تحت حماية الجيش، فقد أخذ يواجه في هذه الأيام تهديداً جديداً وحقيقياً يطلقون عليه هناك في "إسرائيل" "دولة المستوطنين اليهود في يهودا والسامرة"، إذ بدأ هؤلاء يهددون بالانفصال عن دولة "إسرائيل" وإقامة دولتهم الخاصة المستقلة، وذلك حسب زعمهم ردًّاً على أي محاولة من الحكومة الإسرائيلية للانسحاب من الضفة في إطار التسوية الدائمة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
فقد أعلن المستوطنون في منشور حمل عنوان "إسرائيل أرضنا" عن مسابقة لوضع نشيد قومي واختيار علم آخر لدولتهم، وسيمنح الفائز بأحسن تصميم للعلم والنشيد بجائزة نقدية"، وجاء الإعلان عن هذا المخطط في مقال في صحيفة يديعوت أحرنوت ـ 8/12/2007 كتبه الراباي شالوم دوف وولفا رئيس "الطاقم العالمي لإنقاذ الشعب اليهودي" وهي المنظمة التي شكلت خصيصاً لذلك، تحت عنوان "الزلزال المقبل".
وقال الحاخام شالوم دوف في بيان له "بعد موافقة "إسرائيل" على إقامة دولة فلسطينية واقتراح قانون لتعويض المستوطنين تمهيداً لإخلائهم: ف"إن الحل هو إعلان دولة يهودية ذات حكم ذاتي".
وعن هذه الدولة كتب يهودا باور - في هآرتس – 28/8 /2007 "إن "إسرائيل" لا تسيطر على بضع مئات الآلاف من المستوطنين اليهود هناك، فهم يقبلون الحكم الإسرائيلي فقط إذا كان يصب في مصلحتهم، أما عندما لا يحدث ذلك وفقاً لتصورهم، فهم يتجاهلونه في أحسن الأحوال وينجحون في مقاومتهم له في أسوأ الأحوال"، ويضيف: "الشرطة والسلطات الأمنية والجيش يخضعون لتهديد المقاومة النشطة المتواصل من قبل المستوطنين، ويخضعون لهذه التهديدات، وأصبحت هناك دولتان، الأولى ملتزمة بالقانون الديمقراطي الغربي، والثانية بالحكم الديني المتطرف والخلاصي".
أما الخبير بالشؤون العربية داني روبنشتاين فقد كتب بدوره في هآرتس – 22/1/ 2007 - عن دولة المستوطنين يقول: "على خلفية اتفاق السلام مع مصر والانسحاب الإسرائيلي من سيناء أقام نشيط حركة "كاخ"، ميخائيل بن حورين، في الثمانينيات ما سماه هو ورفاقه "دولة يهودا"، وكان قصدهم رمزياً وهو الإشارة إلى بديل ممكن عن السلطة الإسرائيلية في الضفة الغربية إذا ما انسحبت "إسرائيل" من المناطق وعندما تفعل ذلك، ولقّب بن حورين نفسه بلقب "رئيس دولة يهودا"، بعد ذلك كان من محرري كتاب "باروخ الرجل"، الذي امتدح القاتل في الحرم الإبراهيمي باروخ غولدشتاين، وكان من أبطال البولسا دينورا ضد اسحق رابين".
و"لكن - يضيف روبنشتاين - في العديد من الجوانب أُقيم في الضفة، برعاية حكومات "إسرائيل" وتشجيعها، كيان سياسي ذو طابع يخصه، أي أنه نشأ فصل حيث توجد دولة "إسرائيل" على حدة، والضفة أو دولة يهودا على حدة".
ولذلك عندما نتحدث عن دولة أو جمهورية المستوطنين اليهود الإرهابية القائمة في أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة بشكل عام، وفي منطقة الخليل بشكل خاص، فإننا لا نبالغ في ذلك أبداً، ذلك أن المستوطنات اليهودية المنتشرة في أنحاء الضفة والقطاع عبارة عن ترسانات مسلحة أولاً، وعبارة عن مستنبتات أو دفيئات لتفريخ الفكر السياسي والأيديولوجي الإرهابي اليهودي ثانياً، ودفيئات أيضاً لتشكيل وانطلاق التنظيمات والحركات الإرهابية السرية في نشاطاتها وممارساتها الإرهابية ثالثاً، فضلاً عن كونها قوة ضغط هائلة على قرارات الحكومة الإسرائيلية ونهجها الاستيطاني والتنكيلي ضد الفلسطينيين رابعاً، وذلك رغم الحقيقة الساطعة المتمثلة بالتعاون والتكامل القائم بين الجانبين، فلا تعارض ولا تناقض قطعاً ما بين الدولة الإسرائيلية الرسمية بمؤسساتها وأجهزتها السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والإدارية والمالية، وسياساتها الاستيطانية، وما بين دولة المستوطنين اليهود المنفلتة في الأراضي المحتلة من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها.
ولذلك كله، فإن المستوطنات اليهودية تشكل "قنابل موقوتة في أتون الضفة، والمستوطنون فيها يصبون الزيت على النار". "فهم يعيثون فساداً بلا توقف، وقضيتهم ستبقى قضية متفجرة".
وعززت صحيفة معاريف الإسرائيلية الحقائق أعلاه عن المستوطنين بكشفها النقاب قائلة: "حسب معطيات الشرطة الإسرائيلية فإن أشد المشاغبين من المستوطنين، هم أولئك الذين يعتبرون التنكيل بالفلسطينيين مهمة دينية".
إذن - في ضوء هذه المعطيات وغيرها الكثير الكثير المتعلقة بواقع المستوطنين اليهود، ودويلتهم الإرهابية الممتدة على مساحات واسعة من أراضي الضفة، فإننا يمكن إن نثبت في الخاتمة أن "دولة - أو جمهورية المستوطنين" في الضفة الغربية تقف وراءها كافة الحكومات والقوى السياسية الإسرائيلية من أقصى يسارها إلى أقصى يمينها، وتتكامل فيها ممارسات دويلة المستوطنين الإرهابية، مع سياسة الاجتياحات والاغتيالات والانتهاكات والاعتداءات والعقوبات الجماعية التي تنفذها أذرع الدولة الاحتلالية ضد الشعب الفلسطيني والتي تستهدف في الحصيلة التهويد الشامل للأرض والشطب الكامل للقضية.