إذا صح القول بأن جورج بوش تواق لإحراز تقدم بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبأنه جاهز لترك الجانبين لشأنهما ما لم يتحقق التقدم، فمعنى ذلك أن البيت الأبيض ينعي مبكراً ليس فقط مهمة الرئيس الأميركي في القدس ورام الله، ولكن نتائج مؤتمر أنابوليس أيضاً.
ذلك أن رفض إيهود أولمرت استبعاد البناء الاستيطاني في القدس الشرقية وأجزاء أخرى من الضفة الغربية، لا يؤكد فقط عمق الهوة التي تفصل بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، لكنه يؤكد أيضاً - أو هكذا يفترض - عمق الهوة بين واشنطن والدولة العبرية.
ففي حديث لصحيفة «جيروزاليم بوست»، قالت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إن الولايات المتحدة لا ترى فرقاً ولا تمييزاً بين مستوطنات القدس الشرقية وبقية الضفة الغربية. لكن المشكلة تكمن في أن هذا الموقف الجيد الذي عبرت عنه رايس سيبقى - كما بقي غيره عن المواقف الأميركية حبيس الصحف تارة والغرف المغلقة تارة أخرى.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة يتعلق بالأسباب التي تمنع الأميركيين من الجهر بالدوافع الحقيقية المعطلة للتقدم، والإعلان بالتالي أن الجهة المعرقلة هي "إسرائيل" وليس الفلسطينيون.
وإلى أن تعلن واشنطن ذلك على الملأ، ستبقى في نظر الشارع العربي في كل مكان متواطئة فعليا مع الجانب الإسرائيلي ومتعاطفة لفظياً مع الجانب الفلسطيني. وفي معرض رفضه وقف البناء الاستيطاني قال أولمرت ما نصه إن الرئيس بوش يعرف وكذلك الفلسطينيون أن "إسرائيل" أوقفت بناء مستوطنات جديدة، ومصادرة أراضٍ لهذه الغاية، لكننا أوضحنا - والكلام مازال لأولمرت - أن هذا الوضع لا ينطبق على القدس وأن المراكز السكانية هناك - يقصد المستوطنات الكبرى - لا يسري عليها الوضع الذي يسري على أنحاء أخرى في الضفة الغربية.
وهناك أمور - يضيف أولمرت - تحدث في المراكز السكانية أو في القدس قد لا يحبها الفلسطينيون. وهذه الأمور أي البناء الاستيطاني، هي التي لا يحبها الفلسطينيون، وهي التي تمنع حدوث التقدم، وهي التي يمكن وصفها بقنابل موقوتة يقذف بها الإسرائيليون على طاولة المفاوضات مع الجانب الفلسطيني.
الواضح منذ البداية أن السلام والاستيطان لا يمكن أن يلتقيا، والواضح منذ البداية أن الولايات المتحدة - حتى الولايات المتحدة - تعارض النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية. لكن الواضح أيضاً، ومنذ البداية، أن واشنطن تمتنع عن إدانة "إسرائيل" وإحراجها، بحجة أنها لا تريد أن تضغط على الدولة العبرية وتحت ذريعة أن الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي يجب أن يتوصلا إلى الاتفاق بنفسيهما.
ما الفائدة إذن من الوساطة الأميركية ومن الموقف الأميركي الذي يعرف الحقيقة ويعترف بها ويمتنع في الوقت ذاته عن التصرف، ما الفائدة من هذا الموقف بعد أن اقترب عدد المستوطنين في الضفة الغربية من نصف مليون؟ ما الفائدة من زيارة بوش وهو نفسه الذي اعترف خطياً لشارون بأن الكتل الاستيطانية الضخمة المحيطة بالقدس ستصبح جزءاً من "إسرائيل"، رغم أن هذا الاعتراف يمثل انتهاكاً للقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن والتي تعتبر كل بوصة احتلت عام 1967 أرضاً يجب على "إسرائيل" أن تنسحب منها.
وإذا لم يكن ذلك الموقف الأميركي تواطؤاً، فما عساه يكون التواطؤ؟!