عدد الرسائل : 281 العمر : 37 الموقع : منتديات أشبال الاقصى العمل/الترفيه : مشرف منتديات أشبال الأقصى الاوسمه : التبادل الاعلاني : تاريخ التسجيل : 08/06/2008
موضوع: الشهيد المظلوم صدام حسين ... الأربعاء يوليو 16, 2008 8:07 am
صدام حسين في المشهد الأثير
كما لو أنه ثقب أسود ما يزال مشهد إعدام صدام حسين يمتص تاريخاً زمكانياً مفتوحاً . السنة التي مرّت عليه لم تخفف من (جاذبيته) ولم تنل من طزاجته ، لو شاهدته الآن فقد ينتابك نفس الشعورالرهيب المهيب ، هو مشهد لا يترك مجالاً للحيادية ، وفي رصده من كل الزوايا فإنه يترك ندبة مزمنة في العقل ، بتجرد كامل إذا ما وصفته بالأدوات (الفنية) السائدة فلن تفيه حقه وقد لا تبلغ مرادك سواء كنت معه أم عليه ، لكنك في كل الأحوال لن تتمكن من تجنب كآبة طقسه الأخاذ ، فهو كثقب أسود سيمتصك شئت أم أبيت ، سيأحذك من فورك كما غيرك وما حولك من (أجرام) إنسانية بموجوداتها ومكنوناتها ، بباطنها وظاهرها، بكلياتها ، إلى حلكته المطلقة .
أمّا كيف ستخلص وإلى أين ستمضي الدنيا العراقية من جهته الأخرى فهذا هو الغامض الذي ما برح يتشكل دون أن يقوى على الخلاص من إرثه الصدّامي : فهي مسألة (جينات) تاريخية ، هي إن صحّت التعابير آيديولوجياـ بيولوجية صدّامية وسايكولوجيا ـ سياسية صدّامية وهي إن شئتم محنة كارزمية صدّامية!.
لقد حكمت و(طبعت) الشخصية الصدّامية بلدها لأكثر من ربع قرن من الزمان ، وكانت هيمنة حضورها لا تقارن إطلاقاً بجميع سابقاتها من الشخصيات التي حكمت العراق المعاصر منذ العهد الملكي ، وقد يمكن في التوقف عند بعض ملامح ظاهرها ما قد يفتح الباب على بعض كوامن باطنها ، والآن ضع أمامك (كعراقي) أية (صورة جامدة) لوجه صدام حسين وتمعنها بغائية نقدية من موقعك (الموالي أو المعادي ، حيث لا يوجد حيادي) فسترى إلى حدقات عيونه وهي (تتفرس) فيك دون أن تتمكن من الإفلات منها، فنظرته إليك ليست بالآنية أو العابرة ، إنها نظرة مستمكنة في ومن زمكانك ، بمعنىً مّا إنها نظرة (حيـّة) ولأنها كذلك فستكون ردة فعلك إزاءها (حيّة) بكامل المشاعر ، ستنسى المشنقة وسيختفي طقس الموت وسيتجلى التاريخ الصدّامي أمامك بأقصى الكثافة كما لو أنك غريق يحرص لا وعيه على أن لا يفوّت النظرات الأخيرة على الفارقة من لقطات ومحطات شريط الذاكرة ، فإن كنت معه فسيغمرك الأسى وإن كنت ضده فلن تنجيك قشـّة (الشـّماتة) من طغيان موجاته العاتية : في الحالتين ستغرقان معاً في بحر الكاريزما الصدّامية !.
عندما تقدم صدام حسين من الموت كان كمن يتقدم من المنصة الخطابية ليتحدث إلى الشعب ، وبعكس رغبة خصومه فحتى ديكورات المسرح بدت مهيئة تماماً لهكذا حدث ، فالخشبة كانت أعلى بكثير من مألوفها الوظيفي ، وهذا مما أتاح له ميزة المخاطبة (الفوقية) المهيمنة ، وبالبسيطة من الأناقة واللافتة من الرزانة ظهر لا كمحكوم يُساق أمام جلاديه إلى حبل المشنقة ولكن كحاكم يخطو صوب المنبر بين حراسه الشخصيين ، ولأنه كان الأكثر إدراكاً لتاريخية المشهد فلقد حرص على أن (يملأه) بكامل ما عُـرف عنه ومارسه كقائد مسكون حتى العظم بهاجس التاريخ .
ففي الفيلم (الخلسوي) رأينا وقرأنا ولمسنا ما حجبها الفيلم (الرسمي) من (الثيمة) الصدّامية الضّاجة بالخلود، وحتى مع رداءة ولامهنية التصويرين وعلى النقيض من قصديتهما فإنّ حضور(البطل) بدى طاغياً ونقياً وعفوياً وحميمياً ، لا بل إنّ صدام حسين ارتجل النهاية التي شاءها للفيلم بعد أن أمسك بعنق اللحظة التاريخية وساقها بإرادته نحو سرمديتها ليُخضع الجميع (الممثلين الثانويين والكومبارس والمشاهدين والشهود) لخاتمة النص التي ابتدعها هو لا من موقع ردة الفعل على (شماتوية) خصومه المتخبطة في عماها (الثأري) وإنما من موقع القناص الماهر الذي يتقن فن التصويب ويجيد استغلال الفرصة .. وأية فرصة؟!.
هنا ، في المقطع المُتشفـّي ، الردّاح ـ الفرِح ،النوّاح ـ المرِح ، والمتخفـّي وراء الأقنعة المنسوجة من خيوط الماضوية الثأرية السوداء سمع المشاهدون مع صدام حسين نداء (الإستدعاء العام) لجيوش المشاعرالإنسانية المتضاربة إلى ساحة الإحتراب المُركـّب (الأبعد من طائفي والأشمل من سياسي) على وقع ضجيج البوق النفيري التنفيري ، ولأنها كانت صبيحة عيد (الأضحى) فقد تصاعدت وترددت أصداء هذا النفيرالإستفزازي لتتجاوز حجاج وحدود الكعبة إلى أصقاع وأسماع أكثر من مليارمسلم وجدوا أنفسهم يهبوّن على سجية مشاعرهم المهتاجة ليس بالضرورة لنجدة صدام حسين مما يسري على جميع الخلق من ناموس الموت ولكن بالتأكيد للتصدي لما يرونه انتهاكاً فاضحاً لحرمة شعائرهم الدينية واجتراءً مهيناً على المقدس من طقوسهم وتماهياً شماتوياً سافراً كافراً مع رمزية (الأضحية) في عيد (التضحية)!.
هكذا جندل سحر الذحول ساحره المخذول من علياء نشوته الخادعة المخدوعة ، فانهار كل شيء وعمّت الفوضى وتداعت ديكورات مسرح (العدالة الديمقراطية) على خشبته الطائفية وأسقط من يد الجميع إلا صدام حسين فتجلت عندئذ أمامه (لأنه صدّام) تلك الفرصة المثالية لإعادة ترتيب المسرح على هواه وليرتجل تالياً من على المنبر(المشنقة) خطبته الأثيرة المؤلفة من خمسة حروف ومفردة واحدة راحت وهي تستحضر سيرة عراقية كاملة من إشكالية الصراع التاريخي الدموي على السلطة تجرّد خصومه من سلاح (الموت) وتستبدل عبوسية الأخير الغيبية بضحكة دنيوية هازئة جذبت المشاهدين من فورهم إلى دوامة الكاريزما الصدّامية قبل أن ينتبهوا إلى أنفسهم وقد صاروا صدىً جماعياً منقطع النظير لتشهـّده الأخير بالله ورسوله ! .
هل الحياة الزائلة المحدودة تعدل مثل هذا الميتة الخالدة المحسودة ؟!.