إن الغيرة في القلب على هذا الدين، ضرورة لحياته وصلاحه، وهي كالحرارة الغريزية لجميع البدن.
وحرارة الغيرة الدينية، ت&&& ما فيه مما يشوب صفاءه وطهارته، ولا جدال أن أسمي الناس نبلا. وأعلاهم همة، هو أشدهم غيرة على نفسه ومجتمعة ودينة ولهذا علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أغير الناس على أمته، والله سبحانه أشد غيرة منه، كما ثبت في الصحيح" أتعجبون من غيرة سعد، لنا أشد غيرة منه، والله أغير مني ".
واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، كان الأمام الشهيد حسن البنا أشد أهل جيله غيرة على أمته ودينه، بالعمل والجد والدأب والاحتمال والاحتساب، لا بترديد الأحاديث أو حفظها وحسب. وصدقني إذا قلت أنني لا أدري من أي النواحي أبدأ حديثا عن حسن البنا الذي جدد لهذا الدين جمالة وجلاله، بعد ان غابت هذه المعاني عن المسلمين قرونا.
ناشد الحكام ان يتبعوا سياسة شعوبهم على أساس من تعاليم دينهم... دين الحق والقوة والحرية... وناشد الشعب ان تكون الحكمة رائدة في مطالبهم، وذكرهم أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي جاء بالتوحيد، ونبذ الأصنام، صلى في الحرم، والأصنام فوق الكعبة صفوفا صفوفا تطل على الموحدين ولم يجد لذلك حرجا وتأثيما، لأن هذا هو الأسلوب الرزين الذي يجب ان يسلكه الداعية، حتى يصل بدعوته إلى غايته، بالصبر حينا، وبالاحتمال حينا، بالأسلوب الرقيق الدقيق حينا.
كان رضوان الله عليه متئدا في كل مل يفعل ، يأخذ الأمور بالغة ما بلغت من القسوة في هدوء مفكر، وصبر الحليم، وكان ما حدث لم يحدث، ثم يبدأ العلاج في حنكه وخبرة ودراية، وهكذا سلمت الدعوة طوال حياته من الهزات العنيفة اللتي تعطل المسيرة.
ينتقل من عمله في القاهرة إلى قنا، عقوبة له على نشاطه في الدعوة إلى الله، وغضب أعضاء مكتب الإرشاد، وغضب الأخوان في كل مكان، ولكنه طمأنهم وأكد لهم أن الخيرة فيما أختاره الله، وبادر إلى تنفيذ النقل على عجل، أذهل رؤساءه الذين ظنوا سيحتج وسيتعطف ويتظلم، وشد الرحالة وكأنه كان معه على ميعاد، وما أن أستقربه المقام في قنا، حتى شمر عن سعادة في نشر الدعوة، وأقبل الناس عليها إقبالا أقلق سكينة من ظنوا أنهم عاقبوه بهذا النقل، فعدلوا عن قرارهم الخاطئ.. والذين أصدروا المر بنقله من القاهرة، هم الذين اصدروا الأمر بعودته إليها دون أن يطلب أو يسترحم.
هكذا كان يعالج المشاكل بما يذهب بها في هدوء وسلام.. إنه ما كان يستعل النصر لأنه ضعف في العزيمة، ولا يستبطئ الاستجابة لأنها خله ذميمة كان الرضا زاده في كل ما يصيبه بسبب الدعوة" ولو شاء ربك ما فعلوه" ولم يكن من أنصار فاتك القطار.، لأنه كان يعلم ان للسفر وسائل متعددة.
من أشد ما كان يحرص عليه، المؤخاه في الله، يقول أن لم ترد أن تكون أخا نسعد بك، فلا أقل من أن تكن صديقا نرتاح إليك.. ولهذا لم يكن هناك من يجفو حسن البنا إلا من كان في قلبه دخل لا يريد أن يرى شرع الله سائدا، كان عمليا في هذه الحية تنفيذا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم( من أخي أخا في الله، كانت له درجه في الجنة لا يبلغها بشيء من عمله) ولو كل داعية على هذا التوجيه النبوي العميق، لسلمت الدعوة من كثير مما تعرضت له.
كان أبرز دعاية في القرن العشرين، عندما نادا بأن كتاب الله ما جاء ليحمل تبركا، آو يقرأ على الأموات عند القبور وفي الصواوين وانه ليس بأخلاقيات وروحانيات وانقطاع عن الدنيا وزينتها وخبراتها الحلال، ولكنه جاء علما وفهما وقوة ومجدا وغزا وعملا، حتى تقوم بالإسلام حضارة مشرقة مستنيرة، تثبت أن الإنسان خليفة لله في الأرض حقا وصدقا، ولذلك كان يباشر الرياضة والرحلات والمعسكرات مع الأخوان.. يحيا حياتهم... ويعمل عملهم ويشاركهم في كل ما يشق عليهم.. إقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم يوم ان قال لصحبته( وعلى جمع الخطب) ويوم أن قال أمن أراد أن يؤثر بركوب الراحلة في سفر أنه في حاجه إلى الأجر.. فمشى كما يمشون بلا ضجر ولا تأفف... وهكذا تكون القدوة وهكذا سارت الدعوة من نجاح إلى نجاح..
كانت كل موازينه ومعاييره قرآنية نبوية، بها يزن الآراء والنظريات والفلسفات، فما سار مع القرىن او الحديث أخذ به، وما أختلف معها نبذة وانكره، فطبع الخوان طبعا قرآنية نبويا بديعا، وكلن من جراء ذلك أن ثبت مفاهيم الدعوة ثبوتا لا تأثر فيه الأحداث مهما قست، فلم يلبسوا في حركهم، ولم ييأسوا في جهادهم.
وها نحن اليوم نرى الأخوان المسلمين في كل مكان في العالم بالملايين، واقنعهم تماما بما جاء في القرآن من فسيح الأمل وواسع الرجاء، فالله يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل، و&&& الحي من الميت، وي&&& الميت من الحي، ويجعل اعسر بين يسرين، وأن فرج الله قريب.
ولكي يبعد الإسلام عن فكرة التعصب، لم ينكر القومية على شريطة أن تكون قومية حب ومودة وتعاون، لا قومية استعلاء وهضم لحقوق الغير وإيقاع الظلم بهم،تجنبا للسيادة العاتية، واستدل على ذلك بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم معناه، انه ليس في حب الرجل قومه مأثم، ولكن الأثم أن يعين قومه على ظلم. وهذا هو المعنى البغيض في القومية، لذا ترى كل شعب يعتز بقوميته حتى لو بغت وجارت، وهذا ما حاربه الإسلام وأنكره" وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فتقون.
أما تفقده لإخوانه وعطفه علهم، فحال عجيب في هذا لزمن، أنظر إليه يتعطف مع الأخ ويذهب ما في نفسه من حزن أو ألم.. يا أخي ألم تحمد الله أنها لم تكن في دينك وحسبك هذا خير.ز ألم تكن تتوقع أنها تكن أكبر مما حدث وفي هذا من لطف الله بك، ألا تقدر عظم الأجر الذي تناله من بربك إذا رضيت بقضائه وقدره، ألا تنتظر في كل هذا ثواب الله لكز وتكفير ذنوبك ورفع درجاتك.. فإذا بالأخ يروح في غمرة هذا لحنان، وينسى ما ألم به، وينطق لسانه بالشكر لله والثناء عليه والحمد لله.. هكذا جمع أمامنا الشهيد قلوب الأخوان من حوله.
لقد اقتنعنا بأن الإسلام هو الإسلام، أصولا وفروعا منذ جاء به الني صلى الله عليه وسلم إلى ان تقوم الساعة، لأنه عقيدة لا تناقش كما تناقش النظريات والآراء والفلسفات الوضعية، التي تقدم الدليل العقلي على الدليل النقلي، ذلك لأن النظريات والآراء ورائها دوافع شخصية أو قومية او بيئية تتغير بتغيير الظروف والملابسات، ولذلك نرتدى أن الإسلام هو المجتمع الوحيد الذي استطاعت الأقليات ان تتمتع بحرياتها فيه، ولولا الاستسلام لفتى اليهود في القرون الوسطى.
وهكذا تعلمنا منه ان الدراسة لا تكون بين قديم وحديث، ولكن بين حق وباطل.. وهكذا تتعلم الأخوان أن يفرقوا بين ذيول المضي، وبين الأصول والقواعد فيها، وبهذا يعرفون الناس عن طريق الحق، ولا يعرفون الحق عن طريق الناس، فكانوا موضعين في كل شئ بعيدين كل البعد عن الشخصيات.
ان من يريد أن يتحدث عن حسن البنا، يعيه لم الحديث أو حصره
هو البحر من أي النواحي أتيته
فلجته المعروف ولجود ساحله
ولو سكت العالم كله عن الحديث عنه وعن أثاره، فأن الله يعلم ما قدمه حسن البنا للإسلام والمسلمين وأجره على الله، ولقد صدق الله فصدقه الله فمات شهيد عليه، فسلام عليه أناء الليل وأطراف النهار، وعزري عن استيفاء حقه، عجزي عن بلوغ ذلك الشأو العظيم.
وبعد.ز فأن الأمام الشهيد حسن البنا المرشد الأسبق للإخوان المسلمين، لم تكن أعماله وأقواله كسبا أو اكتسابا، ولكنه كان موهوبا، كان من الرجال الذين يعلم الله قدرتهم على السعي بدعوتهم فيمده بمدد من عنده.. إلا يلقاه إلا ذو حظ عظيم.. كان إذا تحدث تتعلق الأعين بوجهة السمح المشرق.. وابتسامته العزبة، وتصغى القلوب لبديع درره التي يمن الله عليه، حتى ليود السامعون أن لو ظل يتحدث ما شاء الله أن يتحدث بلا كلال ولا ملال. وبعد أن تمضي الساعتان والثلاث في إفاضة ربانية، يتخير فيه من يتوسم فيهم الحب لدعوة الله، فينتحي بهم في حجرة جانبية، مذكرا وموجها ومستحدثا، فلا ي&&& من حفل إلا إلى لقاء، وكأنه موكل لشؤون هذا العالم يصلحه، أجل كان موهوبا حقا، فما من جسد بشري يستطيع ان ينام في الأربع وعشرين ساعة، أربع أو خمس ساعات، يقوم بعدها في نشاط المستغرق في نومه الساعات الطوال، لا يبدو عليه أي أثر للتعب أو مجهود.
ألا تعلم انه قد استقرت في جسده الطاهر سبع رصاصات. فنزل من السيارة على قدميه ينزف دما ذكيا طاهرا. فتصل تلفونيا بالإسعاف. فجاء الإسعاف فركب السيارة على قدميه، والدم يتدفق. ولما وصل مستشفى القصر العيني. صدرت أوامر فاروق ألا يسعف، واستجاب ملائكة الرحمة المزعومة إلى تنفيذ هذا الظلم الصارخ، حتى سكتت الحركة الدائبة، وكف القلب المعلق بالعرش عن النبض في هذه الدنيا ،لينبض في مقعد صدق عند مليك مقتدر .
كان موهوبا لأن "الله أعلم حيث يجعل رسالته " وفي حسن البنا والنوادر من إضرابه ،يتحقق قول رسول صلى الله عليه وسلم ، عندما تنبأ بأنه يحمل هذا العمل من ينفي عنه دائما التحريف والبدع ،حيث يظل كما أنزل أطهر من ماء السماء ،وأوضح من شمس الغبراء عند انتشار الضياء
كلما أردت أن أختتم كلمتي ،تدافعت المعاني ،ولولا تكاليف الدعوة ،وضيق الأوقات عن الوجبات .. واثقال الأحاديث في غد، ولاعطيت قلمي في التخلي مراده من الحديث عن حسن البنا .. ولكننا على الدرب سائرون ،وبالمتأسي لرسول الله صلى الله عليه وسلم مقتدون .
يارب أنك تعلم أننا أحببنا الرجل من أجلك ،وسرنا وراءه في الطريق الذي رسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ،حتى بلغ بنا ذلك الرجل من حب دينك وحب رسولك منك ما نتمنى معه عند قول رسولك الحبيب (من أشد حبا لي من يكونون من بعدي ،يود أحدهم لو رآني بأهله وماله) .. اللهم أ،ا نحس أننا كذلك ،فأتمم نعمتك علينا ،واجز حسن البنا بما أنت له أهل ... ففضلك لا حدود له "أن الله يرزق من يشاء بغير حساب ".