في مثل هذه الأيام من عام 1935م أعلنت بريطانيا أن قوات الشرطة البريطانية المجتمعة من نابلس وطولكرم وجنين أحاطت بقرية الشيخ زيد شمال يعبد، وتبادلت الطلقات مع (عصابة مسلحة من الأشقياء) وأن الاشتباك استمر ساعتين وانتهى الساعة العاشرة من صباح 20/11/1935م، بقتل (أربعة أو خمسة) من أفراد (العصابة)، وإلقاء القبض على خمسة آخرين، فيما قتل أحد أفراد الشرطة البريطانية وأصيب آخر بجراح بالغة وثالث بجراح عادية. وأضاف البلاغ الرسمي أنه عرف من (أفراد العصابة المقتولين) الشيخ عز الدين القسام....."
لكن مراسل صحيفة الجامعة الإسلامية التي كانت تصدر من يافا، والذي وصل إلى مكان الحادث كتب أن الشرطة التي تجمعت من عدة مدن، تعززت بطائرة كانت تساعد رجال الشرطة في اكتشاف حركات الثوار، وأكد أن الشهداء كانوا أربعة من بينهم الشيخ القسام، وأنه تم اعتقال أربعة آخرين فقط.
وأن الشيخ نمر حسن السعدي الذي استشهد في المعركة كان لا يزال حياً حينما وصل هذا المراسل للمكان وطلب منه الماء، وبعد أن شرب طلب منه أن يقرب إليه الشيخ القسام، فقربه إليه ليودعه، واغتنم المراسل الفرصة فأخذ يسأل الشيخ نمر السعدي عن التنظيم "فلم يجبني عليها إلا بعد أن سألني عن اسمي ومذهبي، وما هي الغاية من سؤالي، فأخبرته أني مراسل الجامعة الإسلامية وأني عربي مسلم، فأخذ يشرح لي عن (عصابته) بصوتِ خافت....."
الشيخ عز الدين القسام، سوري الأصل، والذي ولد في سوريا عام 1882م، وقاوم الاحتلال الفرنسي وترك بلاده بعد أن حكم عليه بالإعدام غيابياً لمشاركته في الثورة، ولجأ إلى فلسطين، وعمل في المدارس الشرعية، وأنضم إلى جمعية الشبان المسلمين، ثم أصبح رئيساً لها، وعمل خطيباً لمسجد الاستقلال بحيفا، وتجمع حوله عدد من الرجال الذين قرروا مقاومة الاحتلال البريطاني والصهاينة وبدؤوا عملهم ضد المعتدين، حتى استشهد الشيخ القسام وبعض رفاقه، وأسر آخرون، واختفى الباقون في شعاب الجبال.
بالرغم من أن الشيخ القسام لم يقتل عدداً كبيراً من الجنود البريطانيين والمستوطنين الصهاينة خلال ثورته إلا أنه استحق أن يلقب بـ (شيخ فلسطين) وذاع صيته، واشتهر أمره، فما السبب؟
أولاً: كان الشيخ القسام أول من حدد بدقة حقيقة العددو فلقد كان قادة فلسطين قبل القسام ينظرون إلى الحركة الصهيونية كعدو، لكنهم كانوا يرون في بريطانيا صديقة للشعب سوف تحقق له طموحاته، لكن الشيخ القسام رفع ولأول مرة شعار: عدونا هو بريطانيا والصهيونية "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم".
ثانياً: لأول مرة نقل الشيخ القسام قضية فلسطين، من قضية خاصة بأهلها إلى قضية تخضهم، وتهم العرب، وجميع مسلمي العالم، ويجب أن يعمل الفلسطينيون والعرب والمسلمون على استقلالها.
ثالثاً: أراد الشيخ القسام، من خلال ثورته، الانتقال بحركة المقاومة من مرحلة (ردود الأفعال) إلى مرحلة الإعداد المبكر، فكل الثورات التي سبقت ثورة الشيخ القسام كانت ردود أفعال على تجاوزات بريطانية وصهيونية، لكن الشيخ القسام أراد أن يمتلك زمام المبادرة، وأن يعد جيلاً يحدد الزمان والمكان المناسبين للمقاومة.
رابعاً: أقام الشيخ القسام ثورته على الانتقاء، فاختار عناصره من الشباب المتدين، الراغب في الدفاع عن دينه ووطنه ومقدساته ولم يترك المجال مفتوحاً.
خامساً: جعل القسام ثورته حركة سرية، لئلا يسهل اختراقها، أو القضاء عليها.
سادساً: اهتم الشيخ القسام بالإعداد النفسي الروحاني لعناصره، ثم التدريب العسكري بعد ذلك.
سابعاً: ركز الشيخ القسام على التفاف الجماهير حول الثوار من خلال توعية الأهالي بالأخطار المحدقة بقضية فلسطين، وبذلك يتعاون الأهالي مع الثوار، ويحيطون بهم، ويقدمون لهم الخدمة والمساعدة.
ثامناً: سعى الشيخ القسام إلى ترغيب المواطنين في التعامل مع المنتجات الوطنية، والبعد عن المنتجات البريطانية والصهيونية، وفي ذلك دعم للاقتصاد الوطني، ومحاربة للاقتصاد المعادي.
إجمالاً: يمكن القول إن الشيخ عز الدين القسام (رحمه الله) استحق تخليده في التاريخ، لأنه وضع قواعد للعمل الثوري الجهادي في فلسطين.
ولنا أن نسأل اليوم: هل من مستفيد؟ وهل من معتبر؟