وصل تغلغل الاستعمار الاستيطاني فكراً وممارسة في اسرائيل حكومة وشارعا حداً يحتفلون فيه بالذكرى السنوية لاحتلال القدس العربية وضمها جراء حرب حزيران العدوانية عام 1967 في 27 حزيران من كل عام تحت شعار مضلل ومخادع وهو «توحيد القدس» بشطريها المحتلين الغربي والشرقي.
ووصلت عنصرية اسرائيل في هذه الاحتفالات الى حد زعمها انها انقذت القدس من اصحابها المقدسيين على الرغم من انها شوهت مدينة السلام بطقوسها الوثنية البدائية، وجعلت من هذه الذكرى عيدا للمتشردين اليهود الذين حاولوا احراق المسجد الأقصى المبارك ويخططون لتدميره وإقامة هيكل سليمان المزعوم على أنقاضه..
وجعلوا من احتلال القدس في الحرب العدوانية التي اشعلوها منطلقا لتعصب اصولي يهودي مخيف، ولعنصرية كريهة، ينفخون فيه في مشاعر وعقول اليهود بالتوسع على حساب الارض والحقوق والمقدسات العربية الاسلامية والمسيحية.
واطلقوا على احتلال شطري المدينة العربية، التي اسسها العرب قبل ظهور اليهودية والمسيحية والاسلام في حربين عدوانيتين في عامي 1948 و1967 «توحيد القدس».
وتدل هذه التسمية على عقلية استعمارية عنصرية عفنة، لتضليل الاوساط اليهودية والشعوب والدول في البلدان الغربية.
أشعلت اسرائيل في الخامس من حزيران حرب حزيران العدوانية، واحتلت في السابع منه القدس العربية، واصدرت في 11/6/1967 قرارا نص على اعتبار الضفة الغربية بما فيها القدس جزءا من اسرائيل.
وأقرت الكنيست في 27 حزيران 1967 ان القدس العربية (الشرقية) جزء لا يتجزأ من القدس المحتلة، كما وقع وزير الداخلية في 28 حزيران مجموعة قرارات سمح فيها لبلدية القدس المحتلة عام 1948 بتوسيع حدودها لتشمل القدس العربية.
بدأت قوات الاحتلال بتغيير معالم القدس العربية المحتلة منذ الساعات الأولى للاحتلال لتهويدها وخلق واقع جديد لتغيير معالمها العربية الاسلامية وبناء الاحياء والمستعمرات اليهودية فيها وحولها ومن جميع الجهات، وتحويل سكانها العرب الى أقلية، وزرع المستعمرين اليهود فيها وأخذت تعمل بخطى سريعة على تغيير معالم المدينة.
وكان تيودور هرتسل مؤسس الحركة الصهيونية قد كتب يقول:
«إذا حصلنا يوما على القدس، وكنت لا أزال حيا وقادرا على القيام بأي شيء، فسوف أزيل كل شيء ليس مقدساً لدى اليهود فيها، وسوف أحرق الاثار التي مرت عليها قرون». ولكن هرتسل توفي بمرض السفلس قبل تحقيق الاهداف اليهودية في مدينة القدس العربية.
بدأت خطوات الاحتلال الاسرائيلي بتحقيق مخطط هرتسل بتدمير الاثار العربية الاسلامية والمسيحية في القدس عن طريق هدمها ومصادرة الممتلكات والاراضي العربية مباشرة بعد توقف العمليات العسكرية ففي 11 حزيران 1967 بدأت الجرافات الاسرائيلية بهدم حي المغاربة بكامله والاستيلاء على أحياء الشرف والسلسلة والباشورة.
وقامت بالعديد من الاعتداءات الادارية بعد احتلال القدس ومنها:
حل مجلس امانة القدس العربي المنتخب ومصادرة سجلات أملاكه المنقولة وغير المنقولة.
إلغاء القوانين الاردنية واستبدالها بالقوانين الاسرائيلية.
إلغاء الدوائر والمؤسسات العربية كالمحاكم والشؤون الاجتماعية.
إلغاء المناهج الدراسية في المدارس وفرض مناهج الدراسة الاسرائيلية.
إغلاق البنوك العربية ومصادرة اموالها.
إصدار بطاقات شخصية لمواطني القدس العرب من وزارة الداخلية الاسرائيلية.
ووقفت الولايات المتحدة الى جانب اسرائيل وحالت دون ادانتها في مجلس الأمن بسبب مصادرتها للأراضي العربية في القدس، ووضعتها فوق الأمم المتحدة وفوق القانون الدولي..
وأثارت الاعتداءات والاطماع والممارسات الاسرائيلية ومستقبل الوجود العربي في المدينة العربية المحتلة الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والمجتمع الدولي بأسره لخطورتها على الاستقرار والسلام في المنطقة.
القدس المحتلة في قرارات الجمعية العامة:
دانت الجمعية العامة للأمم المتحدة في القرار 2253 بتاريخ 4/7/1967 الاجراءات التي نفذتها اسرائيل في القدس ودعتها لإلغاء جميع الاجراءات والعدول بشكل فوري عن اتخاذ أي عمل من شأنه تغيير وضع القدس.
واتخذت القرار 2254 بتاريخ 14/7/1967 وجدد القرار دعوة اسرائيل الى إلغاء جميع الاجراءات التي من شأنها تغيير وضع القدس.
وعدت الجمعية العامة في قرارها رقم 2851 بتاريخ 20/12/1971 ان كل الاجراءات التي اتخذتها اسرائيل لاستيطان الاراضي المحتلة بما في ذلك القدس المحتلة باطلة وملغاة كلياً.
وفي 22 تموز 1980 اتخذت الجمعية العامة قرارا طالبت فيه اسرائيل بالانسحاب الكامل من كل الاراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس ودون شروط مع ضرورة عدم المساس بالممتلكات والمرافق وبالالتزام التام بكل قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالطابع التاريخي لمدينة القدس.
القدس المحتلة في قرارات مجلس الأمن:
نص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 بتاريخ 22/11/1967 على عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالحرب، وضرورة الانسحاب الاسرائيلي الكامل من جميع الاراضي العربية المحتلة، وشمل هذا القرار ضمنا مدينة القدس العربية المحتلة.
وأصدر مجلس الأمن القرار 252 في 21/5/1968، وأبدى المجلس أسفه على فشل اسرائيل في الامتثال الى قراري الجمعية العامة 2253 و2254، كما عد القرار الاجراءات الادارية والتشريعية وجميع الاعمال التي قامت بها اسرائيل بما في ذلك مصادرة الاراضي والاملاك التي من شأنها ان تؤدي الى تغيير الوضع القانوني للقدس هي اجراءات باطلة ولا يمكن ان تغير وضع القدس.
ودعا القرار اسرائيل الى أن تبطل هذه الاجراءات وأن تمتنع فورا عن القيام بأي عمل آخر من شأنه أن يغير وضع القدس.
واتخذ مجلس الأمن القرار 267 في 3/7/1969 أكد فيه شجبه وبشدة لجميع الاجراءات المتخذة التي تغير وضع القدس، ودعا اسرائيل الى أن تلغيها، وأن تمتنع عن اتخاذ أية اجراءات مماثلة في المستقبل.
وعندما حاول اليهود إحراق المسجد الأقصى المبارك في 21/8/1969 اتخذ مجلس الأمن القرار 271 في 15/9/1969 عبر فيه عن الحزن لما لحق بالمسجد الأقصى، والخسارة التي لحقت بالثقافة الانسانية، وبما سببه التدنيس في أكثر معابد الانسانية قداسة من غضب عالمي، وأكد القرار على جميع الاجراءات والاعمال التي اتخذتها لتغيير وضع القدس.
واتخذ مجلس الأمن القرار 298 بشأن القدس وأكد فيه ان جميع الاعمال والاجراءات التي اتخذتها اسرائيل لتغيير وضع القدس ملغاة ولا تستند الى شرعية قانونية، ودعا اسرائيل الى الغائها والى عدم اتخاذ خطوات ا&&& في القدس المحتلة.
وطلب قرار مجلس الأمن رقم 452 في 2/7/1979 من اسرائيل وقف النشاطات الاستيطانية في الاراضي المحتلة بما فيها القدس وطالبها مجلس الامن في القرار 465في 1/3/1980 بتفكيك المستعمرات في القدس والتوقف عن بنائها واصدر مجلس الامن القرار 476 في 30/6/1980 وشجب بشدة رفض اسرائيل التقيد بقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة، واكد مجدداً ان كل الاجراءات والاعمال التشريعية والادارية التي اتخذتها اسرائيل، القوة المحتلة ليست لها أي مستند قانوني وتشكل خرقاً فاضحاً لاتفاقية جنيف الرابعة وعقبة جدية امام تحقيق السلام العادل والشامل والدائم، وأكد أن كل الاجراءات التي غيرت معالم القدس ووضعها الجغرافي والبشري والتاريخي هي إجراءات ملغاة وباطلة.
واتخذ مجلس الامن اثر قرار الكنيست بجعل القدس بشطريها عاصمة اسرائيل الموحدة القرار 478 في 20 آب 1980 وجه فيه اشد اللوم على القانون الاساس بشأن ما يسمى توحيد القدس ولرفضها التقيد بقرارت مجلس الامن، واعتبر المجلس مصادقة اسرائيل على القانون الاساسي يشكل انتهاكاً للقانون الدولي، وقرر أن كل الاجراءات الادارية التي اتخذتها اسرائيل والتي غيرت معالم القدس هي اجراءات ملغاة وباطلة وعندما ارتكبت اسرائيل مجزرة القدس صدر قرار672 في 12/10/1990 ودان المجزرة، ودعا اسرائيل الى التقيد حرفياً بالتزاماتها ومسؤولياتها بموجب اتفاقية جنيف الرابعة لعام1949.
إن هدف الممارسات الاسرائيلية اليومية هو خلق واقع جديد جغرافي وديمغرافي في القدس العربية لتدمير هويتها الحضارية وتهويدها. إن التصريحات الاسرائيلية المستمرة بالادعاء ان «القدس الموحدة» هي العاصمة الابدية لاسرائيل تظهر بجلاء أطماع اسرائيل وعنجهيتها وعدم احترامها لقرارات مجلس الامن واستخفافها بالعرب وحقوقهم التاريخية في القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وام الكنائس وعاصمة العقيدة المسيحية والتي فيها كنيسة القيامة ودرب الآلام.
ويتضمن التقرير الاوروبي، الذي وضعه رؤساء بعثات الاتحاد الاوروبي في القدس ورام الله المحظور حول ممارسات اسرائيل في القدس والذي قرر الاوروبيون عدم تبنيه بسبب الضغوط اليهودية والاميركية، توجيه الانتقاد الشديد لاسرائيل وممارساتها بدءاً من هدم منازل المقدسيين وفرض نظام ضرائب خاص تمييزي على العرب. ويصف التقرير اجراءات اسرائيل في القدس المحتلة بأنها انتهاك لخريطة الطريق والقانون الدولي، وان المستوطنات في القدس الشرقية مثل التلة الفرنسية وراموت وهارحوما مستوطنات غير شرعية.
ان ما تسميه اسرائيل « توحيد القدس» ان هو إلا وهم لن يدوم ابداً ويلحق افدح الاضرار باحتمالات السلام. والاحتفالات اليهودية في الذكرى الاربعينية لاحتلال القدس ماهي الا محاولة لتكريس احتلال المدينة العربية، وتقضي على أية امكانية للصلح والتعايش بين اليهود والعرب، وتهدف الى اخفاء الاطماع والاكاذيب اليهودية ومساعي تهويد المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم، وتدل على النفسية اليهودية واطماعها في الارض والثروات العربية.
إن حقائق التاريخ تثبت أن القدس مدينة عربية منذ تأسيسها، واعترفت بعروبتها قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن التي تؤكد أنها مدينة محتلة، ويجب انتزاعها من المحتلين واعادتها الى السيادة العربية واعتبرت الأمم المتحدة ان التدابير والاجراءات التي اتخذتها اسرائيل بما فيها ضم المدينة اجراءات غير قانونية وباطلة وملغاة، واعتبرت المستعمرات اليهودية غير مشروعة وعقبة كأداء في وجه السلام.
ان عروبة القدس جوهر قضية فلسطين، ومفتاح الحرب والسلام في المنطقة، وهي التحدي الاساسي للعرب والمسلمين، لذلك يجب وضعها في اعلى سلم الأولويات العربية والاسلامية والابقاء على خيار المقاومة الى أن يتم تحريرها من رجس الصهاينة وتعود للسيادة العربية مهما طال الزمن وغلا الثمن.
الأربعاء يونيو 18, 2008 10:00 pm