منذ الحصار الجائر الذي فرض على غزة عقب عملية الحسم منتصف حزيران من العام الفائت لم توفر حماس وسيلة سياسية أو إعلامية أو شعبية أو حتى عسكرية إلا ووظفتها في سبيل كسر الحصار أو على الأقل التخفيف من آثاره وتجاوزها، والدفع باتجاه إنهائه.
غير أن حماس كانت طوال هذا العام تجدف وحدها وسط لجة الحصار العاتية، بينما كان حال معظم الفصائل من حولها – وحتى تلك المحسوبة على صف المقاومة – يتمثل بالتفرج والصمت أو إطلاق التصريحات الخجولة من حين لآخر، وكأن حصار القطاع شأن حمساوي خالص، أو كأن رفعه سيفيد حماس وحدها دون بقية الفصائل وعموم الشعب المحاصر بالجوع والخنق والقهر. وإن كان ثمة استثناءات هنا فهي تلك المتعلقة بمواقف حركة الأحرار الفلسطينية (فتح الياسر) ولجان المقاومة الشعبية، حيث كان ملاحظاً أن كوادرهما يشاركون في معظم الفعاليات الجما!!!!ة لفك الحصار إلى جانب كوادر حماس ومناصريها.
وفي الوقت الذي يفترض فيه أن يكون العمل على رفع الحصار أولوية لدى جميع الفصائل الوطنية رأينا معظمها يبدد جهده في مسارات يعرف مسبقاً أنها عبثية في ظل الواقع الحالي كمؤتمرات وفعاليات ما يعرف بإنهاء الانقسام وإعادة اللحمة بين شطري الوطن .. الخ وكأن الفلسطينيون كانوا قبل أحداث غزة على قلب رجل واحد ويملكون رؤية سياسية موحدة تجاه قضيتهم ويجمعون على برنامج توافقي حقيقي، أو كأن غزة والضفة كانتا تنعمان بأي شكل من أشكال التواصل يتيح لغير حملة بطاقات الـ VIP التنقل بينهما بحرية!
ولا يعني هذا أن جهود رأب الصدع الفلسطيني بالقدر المتاح غير مهمة، ولكن التركيز على قضية الانقسام وتصويرها جوهراً للمشكلة الفلسطينية والتعامي عن كل المآسي التي تمس الواقع الفلسطيني أمر لا يمكن تقبله بحسن نية، وهو في أحسن أحواله يمثل هروباً من المسؤوليات الحقيقية التي ينبغي أن تحملها كل الفصائل الفلسطينية وتعبر عنها قولاً وفعلاً تجاه كل القضايا الرئيسية على الساحة، وعلى رأسها مسألة الحصار الإجرامي غير المسبوق الذي يتعرض له القطاع، بتواطؤ واضح من حكومة المقاطعة التي لا نسمع من يدين مسلكها سواء فيما يتعلق بمشاركتها في الحصار أو فيما يخص جرائمها الأمنية والمدنية في الضفة والتي لم تعد تطال حماس وحدها، بل بات واضحاً أنها تمس جميع مقومات الصمود والمقاومة لتحويل عموم الشعب إلى منتفع ولاهث وراء مصالحه الذاتية وحسب، ومرتهن لمن يمتلك زمامها.
ولكن يبدو أن واقع حال بعض الفصائل، وخاصة تلك المستفيدة من عطايا فتح المالية، يحظر عليها تجاوز كل ما تعتبره فتح خطاً أحمر في التعاطي مع الشأن الداخلي الفلسطيني، أو إصدار موقف قد يفسر انحيازاً لحماس، ولذلك فالأسلم لهذه الفصائل على ما يبدو أن تحتفظ لنفسها بخط رجعة يضمن لها السلامة في حال عادت الأمور في غزة لسابق عهدها ورجعت فتح لحكمها على ظهر الدبابة الصهيونية!
إن حصاراً كالذي يعاني منه القطاع يفرض على المجموع الوطني أن يحمل هم التصدي له، لا أن تترك حماس وحدها في فوهة المدفع تواجه تبعات محاولات كسره على كل الجبهات السياسية والعسكرية، بينما يكتفي الآخرون بتصريحات الإدانة والرفض وكأنهم يعيشون في كوكب آخر ولا يقع على عاقتهم جزء من واجب العمل على رفع معاناة شعبهم!
فحماس في غزة لا تحمل فقط عبء إدارة شؤون الناس والتخفيف عنهم وسد رمقهم، بل تحمل أيضاً عبء المقاومة والرباط على الثغور والتصدي للاجتياحات ومواجهة كل الحملات العسكرية الصهيونية وتضميد آثارها، مضافاً إليها أعباء حملات فك الحصار المتنوعة، فلا أقل من أن يشاركها هذه الأعباء من يطالب دوماً بالمشاركة في القرار وبتمثيل في النظام السياسي يفوق وزنه على الأرض، ومن يبرع في انتقاد ما يسميه (بالمحاصصة ) مفترضاً أن يكون وزن موقف القوى الصغيرة رأساً برأس مع القوى الكبرى حجماً وفعلا!
إن كان لنا أن نتحدث عن حسنات لهذا الحصار فهي ليست فقط اختبار إرادة الصامدين الحقيقيين وتمايز فريق المقاومة والصمود عن فريق التفريط والنكوص، بل أيضاً إظهار المعادن الأصيلة لكل الرؤى والتوجهات على الساحة ومدى مطابقة شعاراتها لواقعها وطبيعة الخانة التي تقف فيها حين توضع تجاربها على المحك في وقت عصيب يتطلب جرأة ووضوحاً ومسؤولية عالية.