أيام معدودة وتنهي غزة عامها الأول؛غزة التي خطط لها أن تغرق في بحرها فكبلت أيديها وأرجلها بالأصفاد وحملت أثقالا تنوء بحملها الجبال وغيبت في صندوق معتم محكم وألقيت في البحر في ظلمات ثلاث لتسارع أنفاسها الأخيرة، وفي الجانب الآخر حيكت البدل الفخمة بالطريقة الأمريكية الإسرائيلية الأوروبية مع وجود الملامح العربية الفلسطينية لتكون قريبة ويسهل تسويقها ورصعت التيجان بالزمرد والياقوت وجهزت الدبابات والهمرات وخزنت الأسلحة وكدست صناديق الرصاص بجانب الزجاجات الفاخرة لأجود أنواع النبيذ والخمور الباريسية.
الجميع بانتظار لحظة النصر لحظة سماع الخبر المنتظر المبشر بهلاك غزة ليرتاح رابين في قبره، ويسعد شارون بمصحته، ويهنأ أولمرت في كنيسته، ويزغرد العريس في مقاطعته، ويفرح بوش وبلير وباقي المهنئين ويستعدوا للزفة، ولكن جاءت الرياح بما لم تشته السفن فكانت عناية الرحمن التي حمت موسى عليه السلام في القدم تتجدد لتحمي غزة اليوم ليتحقق قوله تعالى "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " "إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور "
فهاهي غزة لازالت صابرة صامدة محتسبة تتضرع إلى الله بانتظار وعده ونصره قائلة يا رب لم ولن أضع السلاح ولن أنكس رايات الجهاد وستبقى رايات التوحيد ترفرف في سمائي مادام في عرق ينبض أو طفل يمشي أو امرأة تنجب فلن تسقط الراية ولن تخترق الحصون.
غزة التي عرفت لغة المفاوضات مع الاحتلال فحققت في سنة واحدة ما لم تحققه 16سنة إذ وقفت المفاوض الفلسطيني عاجزا أمام مراوغة المفاوض الإسرائيلي والانزلاق بجزيئات وهمية لا تمت للمضمون أو المحتوى بصلة فالأراضي قسمت ما بين 1و2و3أراضي حمراء وخضراء وصفراء شوارع ذات دوريات مشتركة تحدد عدد الدوريات الفلسطينية ونوع سلاحها وكيفية السير والمسافة التي تفصل بين الدوريات وهكذا ضاعت فلسطين وضاع أقصاها الذي أجل إلى إشعار آخر لم يأت دوره بعد إلى يومنا هذا وسقط خلال سنين المفاوضات الآلاف من الشهداء والمفاوض يشجب ويستنكر ويحتج وبعد ساعات يكمل مشوار المفاوضات حتى لا تسجل عليه نقطة فيتهم بتخريب المفاوضات أو أنه يعرقل التقدم الملحوظ في عملية السلام وليثبت للعالم أنه يريد السلام وأن إسرائيل التي لا تريد السلام
غزة ببحرها وحداثة سنها وقلت غذائها ودوائها أجبرت المحتل على التراجع سياسيا وعسكريا وأمنيا
المحور السياسي :
تزايدت الوفود الأجنبية القادمة إلى غزة وارتفع نسبة تمثيلها حتى وصل إلى درجة سفير مثل السفير السويسري "أندريا سويدا "ونائبته والقنصل النرويجي في القدس والرئيس الأمريكي السابق "جيمي كارتر " و القس "توتو" رئيس لجنة تقصي الحقائق في مجزرة آل العثامنة، والوفد البرلماني الأوروبي الذي زار القطاع الأسبوع الماضي وضم ستة من كبار البرلمانين الأوروبيين وترأسته السيدة فيرونكا، ونائبة رئيس البرلمان الأوروبي لويزا مورجانتيني.
وغيرهم من الأصوات الفرنسية والايطالية والتركية والأمريكية والبريطانية والتي أخرها دعوة الوزير البريطاني السابق هير لحكومته بمحاورة حماس.
ولم يقف هذا الاختراق على الموقف الأوروبي بل وصل إلى عمق المحتل فطالبت شخصيات عليا في حكومة الاحتلال بضرورة الحديث مع غزة وخاصة نائب وزير الاحتلال "ايلي يشاي "الذي طلب من كارتر الوساطة لدى حكام غزة لمحاورتهم حول موضوع شاليط التي هي مدخل لما بعده.
ومن ناحية أخرى السماح لحكام غزة بمغادرة القطاع لمرات عديدة بحجة التنسيق مع مصر ومن ثم مغادرتها إلى سوريا وقطر ودعوة الإمارات لرئس الوزراء الأستاذ إسماعيل هنية لزيارتها وبعض الدول الأ&&&. وهذا بحد ذاته يعتبر اختراقا في السياسة الدولية.
المحور الأمني:
لم ينجح المحتل في زعزعة الأمن داخل غزة ولم تنجح أجنحته العاملة في القطاع في الوصول إلى أصغر أقصوصة ورق تحدد مكان الجندي شاليط ولم تنجح ألاعيبه المكشوفة في تأليب المجتمع الغزي رغم قسوتها ومسها بكل مواطن وبكل بيت، ولم ينجح من تقاطعت أهدافه مع الاحتلال من النيل من غزة وباءت كل محاولتهم بالفشل وتساقطت مؤامراتهم الواحدة تلو الأ&&&، ولا تخفي غزة تعاون الناس مع حكومتها مما أدى إلى كشف الكثير من محاولات التخريب والتي كان أخطرها محاولة تفجير عبوات وعمليات انتحارية في احتفال حجاج بيت الله الحرام وداخل المساجد، ويعتبر جهاز الأمن الداخلي الذي شكلته حماس مؤخرا العين الساهرة وصمام الأمان للمواطن في قطاع غزة فلقد شهد القطاع أمانا لم يشهده على مدار جميع السنوات السابقة وهذا يعود للانجازات التي حققها هذا الجهاز والمتمثلة بتفكيك العديد من الخلايا السرطانية التي يزرعها الاحتلال وأعوانه بالإضافة إلى وضع حدا لتجاوزات العائلات ومحاربة تجار المخدرات وشبكات الدعارة غيرها من القضايا والمشاكل الحياتية.
المحور العسكري:
هذا المحور هو بيت القصيد الذي عول عليه الجميع واعتبروه العصا السحرية التي ستنهي حكومة غزة للأبد، فقاموا بجولات عربية وغربية مكوكية لتوفير الغطاء الدولي والعربي لشن عملية عسكرية واسعة النطاق لغزة وتوجيه ضربة قاسمة لها فكانت اجتماعات أنابوليس ذات الحشود الكثيرة، والزيارات المكوكية للمسئولين الأمريكيين للمنطقة، وخاصة بوش و رايس والقادة الأمنيين وحددت ساعة الصفر فأقيمت مدينة إعلامية إسرائيلية على حدود قطاع غزة وتحركت الآليات و أقلعت الطائرات الحربية وسيرت فرق المشاة والقوات الخاصة والتي قدر عددها بألفي جندي للانقضاض على غزة، ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان وقع جنود الاحتلال في كمين مقاوم فسقطوا بين قتلى وجرحى فتقهقر العدو وأخذ بالتراجع واهما نفسه والمراقبين بأنها الجولة الأولى، وتعالت الأصوات الخافتة لا نستطيع تنفيذ عملية كبرى في غزة،سنفقد خسائر بشرية ومادية كبيرة، لا نعرف كم من الوقت سنبقى ، كيف سنحكم حوالي 2 مليون نسمة، المقاومة الفلسطينية تملك أسلحة متطورة، توجد مدينة أنفاق تحت غزة، من سيضمن عدم إطلاق الصواريخ من جديد، ستكلف العملية أموالا باهظة وعبئا كبيرا في حماية منشات الجيش، ستزيد قوة حماس وسيرتفع التأيد الشعبي والعربي والإسلامي لها، سينظر الشعب الفلسطيني إلى سلطة عباس وفياض بمنظار المتعاون، وسنعود ومعنا العشرات بل المئات من الجنود القتلى لنعود مرة أ&&& للمربع الأول قسام جديد على سديروت.
وقد قال غابي اشكنازي رئيس أركان جيش الاحتلال" إذا طلب منا القيام بعملية فنحن جاهزون لإمكانية عملية واسعة في غزة، ولكن السؤال حول الدخول إلى غزة والبقاء فيها والخروج منها هذه مسائل معقدة أكثر من مسألة الرد على صاروخ قسام هنا أو هناك" بينما قال أولمرت رئيس وزراء الاحتلال إمام لجنة الخارجية والأمن " أوصي وبشدة بعدم التورط في عمليات ودفع أثمان باهظة لا تتماشى مع الإلحاحات التي نواجهها"، بل تمنى قائلا " يا ليت الوضع الذي يسود الآن شمال إسرائيل أن يسود في حدودنا مع قطاع غزة"، ولأول مرة يقوم الاحتلال بتفكيك مواقع عسكرية ومدنية من أماكن متقدمة لينقلها إلى أماكن أكثر أمنا كما يدعى، ويفكر أيضا بتقليص عدد المعابر أو إرجاعها إلى الوراء معترفا بعدم قدرته على حمايتها .
هذه غزة وهذا شعبها في عامهما الأول دروسا تدرس في فن الصمود الأسطوري ليسجل الشعب الفلسطيني السبق في تعليم العالم والبشرية فنون الحرب وفنون التفاوض وفنون الصبر والصمود ولكن الذي يجب أن يعتبر أولا وأخيرا هو الشعب الفلسطيني بكليته ليزيد إلى قوته الحالية قوة الوحدة والساعد وحينها لن تقف بوجهة أية قوة مهما كان جبروتها.