لوحظ مؤخراً تكثيف رجالات المقاومة الفلسطينية، قصفهم للمغتصبات الصهيونية، باستخدام قذائف الهاون، أكثر من الصواريخ محلية الصنع. وقد أصبحت قذائف الهاون من العيار الثقيل باعثاً على الإزعاج بالنسبة للكيان الصهيوني، خاصة بعد تمكّن هذه القذائف من تسديد ضرباتها بشكل مباشر، الأمر الذي بات يؤدي إلى خسائر في صفوف الاحتلال، لم تكن لهذه القذائف أن تحققها من قبل.
استهداف المواقع الصهيونية مباشرة
فمع مرور الوقت طوّرت المقاومة الفلسطينية، وتحديدًا "كتائب عز الدين القسام"، هذه القذائف، لتصبح أكثر دقة من أي وقت مضى، حسب اعترافات بعض المراقبين للشأن العسكري، وهو ما أكده مسؤولون وأفراد من وحدة المدفعية بـ"كتائب القسام"، في حديثهم لصحيفة "الرسالة" الأسبوعية الغزية، بأنّ قذائف الهاون أصبحت من الأسلحة الهامة جداً في استهداف المواقع والمغتصبات الصهيونية المحاذية للقطاع بشكل مباشر.
وكانت "كتائب القسام" قد قصفت مؤخراً موقع "أشكول" العسكري الصهيوني على حدود قطاع غزة، بعدد من قذائف الهاون، الأمر الذي أدّى إلى مقتل جندي صهيوني وإصابة خمسة آخرين، حسب اعتراف الاحتلال.
وحدة المدفعية وسلاح الإشارة معاً
وتُعتبر "وحدة المدفعية" بـ"كتائب القسام"، هي المسؤولة عن إطلاق قذائف الهاون وصواريخ القسام. وتنقسم هذه الوحدة إلى عدّة مجموعات، تضمّ كل مجموعة عدداً من المجاهدين لتنفيذ عمليات القصف. وكذلك فإنّ "غرفة العمليات" أو ما يُعرف بـ"غرفة سلاح الإشارة"، هي الأ&&& تبقى على تواصل مستمر مع "وحدة المدفعية"، وعلى اتصال مباشر معها لمتابعة ما يجري على الأرض من تطوّرات.
ويقول "أبو الوليد"، مسؤول وحدة المدفعية بـ"كتائب القسام" على حد تخوم قطاع غزة المعرضة دوماً للتوغلات الصهيونية؛ "إنّ قذائف الهاون أصبحت هامة جداً في التصدي لقوات الاحتلال المتوغلة، فهي تعمل على تعطيل وصول الآليات المتوغلة إلى أهدافها". وأضاف القيادي الميداني "لقد أصبحت القذائف أكثر دقة من قبل، وأصبح مداها يصل إلى العمق الصهيوني، خاصة قذائف الهاون من العيار الثقيل"، مشيراً إلى أنّ "كتائب القسام" أطلقت كمّاً كبيراً من قذائف الهاون من الأعيرة المختلفة على مناطق القطاع الحدودية ومناطق التوغلات، مؤكداً في الوقت ذاته أنّ المواقع الصهيونية المحاذية للقطاع أصبحت هدفاً سهلاً لـ"كتائب القسام".
وقف الاجتياحات الصهيونية
من ناحيته؛ أوضح "أبو العبد"، وهو أحد أفراد وحدة المدفعية، أنّ قذائف الهاون ذات المدى القصير تُستخدم للتصدي للتوغلات الصهيونية المحدودة، حيث يتم استخدام قذائف من عيار (60 - 80) قصيرة المدى، مؤكداً أنه في حال توغل أي من الآليات يتم استخدام هذا النوع من القذائف بكثافة، الأمر الذي يعمل على تأخير الآليات في الوصول إلى أهدافها ويربك جنود الاحتلال.
وكشف "أبو العبد" أنّ "كتائب القسام" أصبحت تستخدم قذائف الهاون من العيار الثقيل (120)، بدلاً من الصواريخ قصيرة المدى، حيث يصل مدى القذائف المتطوِّرة إلى أكثر من ستة كليومترات، قائلاً "أصبحنا نستغني عن الصواريخ قصيرة المدى، ونستخدم بدلاً منها القذائف المتطورة، والتي تصل إلى أهدافها بدقة عالية وتصيب المواقع في العمق الصهيوني وتحدث الأضرار".
وأضاف "أبو العبد" أنّ إطلاق قذائف الهاون أثناء التوغلات يهدف لإلحاق أكبر عدد ممكن من الإصابات في صفوف جنود الاحتلال، وإحداث حالة من الإرباك داخل صفوفهم، ما يؤخرهم عن تحقيق أهدافهم.
"حماس" تهمّها النوعية
من جانبه؛ قال المحلل السياسي للشؤون الفلسطينية في القناة العاشرة بالتلفزيون الصهيوني، تسفيكا يحزقيلي، إنّ "حماس" تريد زيادة الضغط على "الجبهة الداخلية" والحكومة الصهيونيتين لإجبارهما على قبول التهدئة.
واعترف المحلل السياسي، أنّ "حماس" لا تطلق الصواريخ بكثافة؛ وإنما هي صواريخ معدودة لكنها دقيقة الإصابة، في إشارة إلى نوع جديد من "منهاج العمل لديهم"، أي أنّ "حماس لا تعتمد على الكمّ وإنما تعتمد على نوعية الإصابات هذه الأيام".
تنامي قدرات المقاومة الفلسطينية
أما المحلل السياسي والمتابع للشؤون الصهيونية، عدنان أبو عامر، فاعتبر أنّ التطوّرات الأخيرة على صعيد تنامي قدرات المقاومة الفلسطينية في مجال الصواريخ وقذائف الهاون؛ أشعلت الأضواء الحمراء لدى المؤسسة الصهيونية العسكرية والأمنية على حد سواء، وخاصة في العمليات الأخيرة التي خلّفت سقوط قتلى صهاينة وجرحى كثيرين، فضلاً عن الأضرار المادية الجسيمة التي لحقت بالمصانع والمنازل والمخازن الصهيونية.
وقال أبو عامر إنّ قيادة الاحتلال "تراقب عن كثب وقلق متنام، القدرات المتقدمة للمقاومة الفلسطينية في هذا الموضوع، الأمر الذي أفسح المجال كثيراً في الآونة الأخيرة لاجتهادات صهيونية تقول إنّ المقاومة الفلسطينية ليست وحدها في الساحة الفلسطينية، وإنما هناك مساعدات مادية أو عسكرية أو لوجستية من بعض الأطراف الإقليمية والدولية، خاصة حزب الله وإيران ترى "إسرائيل" أنها تمدّ المقاومة الفلسطينية بكل ما أوتيت من قوة".
الاحتلال في قلق متنامٍ
وأشار أبو عامر إلى أنّ قيادة الاحتلال تراقب عن كثب تنامي قدرات المقاومة الفلسطينية، خاصة تجاوزها لمرحلة العشوائية في اصطياد الأهداف الصهيونية، وإصابتها الأهداف بدقة بالغة، وهذا ما كشفت عنه "كتائب القسام" في الفترة الأخيرة عندما استهدفت سيارة صهيونية بدقة بالغة أسفرت عن مقتل صهيوني وإصابة آخرين.
وحول التحليلات التي قالت إنّ "حماس" من خلال القصف تحاول أن تزيد الضغط على ما يسمى "الجبهة الداخلية" بالكيان الصهيوني لإجبارها على قبول التهدئة؛ قال المتابع للشؤون الصهيونية "هناك ما يؤكد هذه المقولة، وحركة حماس تشعر اليوم أنها إن ذهبت إلى تهدئة مع "إسرائيل"، فهي تنطلق من موقع قوة، وهي تحاول أن تدعم موقفها السياسي بالكثير من التحركات الميدانية والعسكرية، وخاصة إيقاع أكبر قدر من الأضرار والخسائر في صفوف الصهاينة"، على حد استنتاجه.
معركة عض الأصابع
واعتبر أبو عامر أنّ "حماس" وقيادة الاحتلال، تخوضان "معركة عض الأصابع" بين الطرفين، في محاولة انتزاع أكبر قدر ممكن من الأهداف والإنجازات السياسية لكلا الطرفين، قائلاً إنّ قيادة الاحتلال "في موقف لا تُحسَد عليه إطلاقاً، سواء ذهبت إلى عملية عسكرية في قطاع غزة وما قد يسببه ذلك من خسائر صهيونية فادحة، أو خيار التهدئة الذي قد يسبِّب تنامي قوة حماس بين الحين والآخر وبالتالي قد تكون "إسرائيل" مُجبَرة على مواجهة جيش نظامي كبير بعد أشهر أو سنة أو سنتين"، وفق تحليله.
وعن تأثير المقاومة على الواقع الصهيوني الداخلي؛ رأى أبو عامر "إنّ تنامي قدرات المقاومة خاصة في (مجال) الصواريخ والقذائف؛ قد يجعل من الرأي العام الصهيوني والجبهة الداخلية (للكيان) أداة ضاغطة على الحكومة للخروج إلى عملية عسكرية كبرى في القطاع وليست إلى تهدئة، مما لا يدع مجال للشك أنّ هناك ارتفاعاً للأصوات المطالبة بتنفيذ عملية عسكرية كبرى في قطاع غزة لوضع حد نهائي لهذه الصواريخ"، كما قال.