بغداد قلعتنا الحصينة

9 نيسان 2003

(1)

أحب أن أجلد نفسي.. كانت البداية عندما استقبل الكويتيون (الأبطال!) مغول العصر بالأعلام والأهازيج، هذه كانت الضربة القاضية التي تلقتها بغداد قبل أن تبدأ الحرب المجرمة ضد ترابها وأهلها وأحلامها..

كنت أعتقد أنهم يتصرفون بجهالة وتهور.. إلى أن قرأتُ كتاباتهم التي جلدتُ بها نفسي كما قلتُ في البداية.. إنهم يرجون لإخوانهم في العراق الذل و يبحثون لهم عن الهوان.

قلت: هذه أيضاً جهالة... ولكن عصافير بغداد وأطفالها الذين سُحِقوا تحت حقد الصواريخ الحقيرة التي تنطلق من أرض الكويت أيقظتني..

والأشجار التي رسمت بأغصانها على الهواء رجاءً حاراً الى كل من يملك الدموع أن يبكي لأجلها جعلتني أفيق من هذا الوهم.. إنهم لا يبكون لأجل أهلهم و لا لأجل أعظم مدينةٍ في الدنيا.. بل إنهم يضحكون من صرخاتها تحت وقع السلاح الأمريكي..

قلت لنفسي لعلها تكون مذنبة.. لعلك تكونين يا بغداد مجرمة تستحقين ما يحدث لك.. ولكنني لم أجد روحاً في جسدي تؤيد ادعائي هذا مع نفسي..
بغداد فاتنة
بغداد أم الأولين
...وأم أم الآخرين
بغداد كانت درة التاريخ في قلب السنين..
فهي التي صنعت لروحي فكرةً عربية
وهي التي ضربت فلول المارقين
بغداد فاتنة
فهل نرضى لأم الأرض
أن تُهدى بكارتها الى كيد الزناة الحاقدين
وهل نرضى لها
أن يُستباح جمالها.. أو يشتهيها العاهرون..

(2)

ليتني مِتّ قبل هذا.. ليتني بقيت كطفلٍ عراقي يعبث في الكرخ أو يرتمي في حضن الرصافة.. حتى أنال شرف مقاومة أعداء بغداد، أو تنال مني الصواريخ المجنونة فيسيل دمي فوق ترابها، ويقتبس من طهارتها وحنانها.

كنت قد زرتُ بغداد، فانعقد لساني من شدة الإعجاب.. كانت المواويل العراقية تكتب نفسها بحروف ذهبية فوق عظامي

الأرض كانت طرية.. والناس كانوا طيبين.

إن قلت إنها أجمل ما شاهدت عيناي، اتهمني الكويتيون بالانحياز اليها، وهذا ما يشرفني..

فمن منا لا ينحاز الى بغداد؟
من منا لا يتعصب لأهلها.. وترابها.. وشعرها.. ونثرها..؟

من منا لا يكره الطائرات التي تدكها؟ ولا يكره البترول الذي يعبئ هذه الطائرات؟ ولا الأرض التي حملتها وانطلقت منها؟ ولا السفن التي أحضرت العتاد الى عقر دارنا للاعتداء على حضارتنا؟ ولا المضائق التي فتحت نفسها مرحبة بكل الة الاعتداء والاجرام المتجهة لضرب بغداد..

من منا لا يكفر بكل مقالات... وأخبار... وأفكار... وكلمات الكويتيين الذين رحبوا بالعاهرين الذين سيعتدون عليها؟

بغداد فكرتنا
بغداد قلعتنا الحصينة
بغداد دمعتنا الحزينة
بغداد ليست –يا ذنيبات العروبة- مثلها أي مدينة
فهي البطولة والحفاوة
وهي أشرعة السفينة
إن تحرقوها فاقرأوا
فوق العروبة كل آيات العفونة

(3)

نريد أن نراك يا بغداد منتصرةً.. نريد أن تمرغي انوف الغزاة بالتراب.. وأن تحرقي دباباتهم وتجعليها رماداً بقدرة الله، نريد أن تصمدي بكل الكبرياء الذي خلقه الله على هذه الأرض، وانتزعه من العرب والكويتيين... وزرعه في قلبك..

نريد أن نراك يا بغداد منتصرةًً
نريد أن تشتعل الرمال تحت أرجل الغزاة والأوغادِ
نريد أن نراك مثل نخلةٍ
عاشت على التاريخ والأمجادِ
نريد أن نراك منتصرةًً
تمشطين شعرك الجميل عند دجلة العظيم
وتكتبين الشعر فوق ليلة الميلادِ
نريد أن تعود للأطفال أغنياتهم
نريد أن نزورهم في غمرة الأعيادِ

(4)

لم أكن أحب أن أشتم غير تخاذلنا.. ووضاعتنا وحبنا للخيانة، ولم أكن أريد أن أزيد... لكن صناع وجهات النظر الساقطة فرضوا أنفسهم على قلمي... فعذراً.